أحدها ( أن يدعى من مسافة العدوى ) فأقل ومر بيانها للحاجة إلى الإثبات مع تعذره بالشهادة على الشهادة إذ لا تقبل حينئذ فإن دعي لما فوقها لم يجب للضرر مع إمكان الشهادة على الشهادة وظاهر كلامهم أنه في البلد يلزمه الحضور مطلقا وعبارة ( ولوجوب الأداء ) ولو عينا ( شروط ) الشيخين كالصريحة فيه لكن استثنى منه الماوردي [ ص: 271 ] ما إذا لم يعتد المشي ولا مركوب له أو أحضر له مركوب وهو ممن يستنكر الركوب في حقه فلا يلزم الأداء وخرج بيدعى ما إذا لم يطلب فلا يلزمه الأداء إلا في شهادة حسبة فيلزمه فورا إزالة للمنكر ( وقيل ) أن يدعى من ( دون مسافة القصر ) ؛ لأنه في حكم الحاضر أما من مسافة القصر فلا يجب جزما لكن بحث الأذرعي وجوبه إذا دعاه الحاكم وهو في عمله أو الإمام الأعظم مستدلا بفعل عمر رضي الله عنه واستدلاله إنما يتم في الإمام دون غيره والفرق بينهما ظاهر ( و ) ثانيها .
( أن يكون عدلا فإن لم يجب عليه الأداء ؛ لأنه عبث بل يحرم عليه وإن خفي فسقه ؛ لأنه يحمل الحاكم على حكم باطل لكن مر عن دعي ذو فسق مجمع عليه ) ظاهر أو خفي ابن عبد السلام أوائل الباب وتبعه جمع جوازه وهو متجه إن انحصر خلاص الحق فيه ثم رأيت بعضهم صرح به والماوردي ذكر ما يوافق ابن عبد السلام في الخفي ؛ لأن في قبوله خلافا ( قيل أو مختلف فيه ) كشرب ما لا يسكر من النبيذ ( لم يجب ) الأداء عليه ؛ لأنه يعرض نفسه لرد القاضي له بما يعتقده الشاهد غير قادح والأصح أنه يلزمه وإن اعتقد هو أنه مفسق ؛ لأن الحاكم قد يقبله وهو ظاهر في مجتهد أما غيره المعتقد لفسقه الممتنع عليه تقليد غير إمامه بنحو شرط أو عادة من موليه فيظهر أنه لا يلزمه الأداء عنده ؛ لأنه حينئذ كالمجمع عليه ولا يلزم العدل الأداء مع فاسق مجمع عليه إلا إذا كان الحق يثبت بشاهد ويمين ( و ) ثالثها أن يدعى لما يعتقده على أحد الوجهين في الروضة لكن الأوجه مقابله بناء على الأصح أنه يجوز ؛ لأن العبرة بعقيدة الحاكم لا غير ولذا جاز للشافعي طلبها والأخذ بها عند الحنفي لما مر من نفوذ الحكم بها وبغيرها ظاهرا أو باطنا فلأن يجوز للشاهد تحمل ذلك وأداؤه بالأولى فإن قلت إنما يظهر ذلك إن تحمله اتفاقا لا قصدا إذ كيف يقصد تحمل ما يعتقد فساده للشاهد أن يشهد بما يعتقده الحاكم دونه كشفعة الجوار قلت قد تقرر أنه لا عبرة هنا باعتقاده ومن ثم لم يجز [ ص: 272 ] له الإنكار على متعاطي غير اعتقاده فجاز له حضوره إلا نحو شرب النبيذ مما ضعفت شبهته فيه كما مر في الوليمة .
نعم لا يجوز له أن يشهد بصحة أو استحقاق ما يعتقد فساده ولا إن بتسبب في وقوعه إلا إن قلد القائل بذلك . ورابعها ( أن لا يكون معذورا بمرض ونحوه ) من كل عذر يرخص في ترك الجمعة مما مر ونحوه نعم إنما تعذر امرأة مخدرة دون غيرها كما مر ومر في كون نفي الولد على الفور ما له تعلق بما هنا ( فإن كان ) معذورا بذلك ( أشهد على شهادته ) قال الزركشي ظاهره لزوم الإشهاد لكن قال الماوردي مذهب أن الواجب الأداء لا الإشهاد على شهادته ثم اختار تفصيلا وقال شيخه الشافعي : لا بأس بالإشهاد وفي المرشد لا يجب إلا أن يخاف ضياع الحق المشهود به ا هـ ملخصا وقوله ظاهره لزوم الإشهاد عليه عجيب مع قول المتن أو بعث والذي يتجه من الخلاف الذي ذكره ما في المرشد لكن إن نزل به ما يخاف موته منه نظير ما مر في الإيصاء الوديعة ( أو بعث القاضي من يسمعها ) دفعا للمشقة عنه وأفهم اقتصاره على هذه الثلاثة أنه لا يشترط زيادة عليها فيلزمه الأداء عند نحو أمير وقاض فاسق لم تصح توليته إن توقف خلاص الحق عليه ويأتي أول الدعاوى أنه لا يحتاج هنا لدعوى ؛ لأن هذا إنما جاز لضرورة توقف خلاص الحق على الأداء عنده فهو بمنزلة إعلام قادر بمعصية ليزيلها وبهذا اتضح ما اقتضاه إطلاقهم أنه لا فرق في نحو الأمير بين الجائر وغيره ولا بين من فوض الإمام إليه الحكم أو الأمر بالمعروف ومن لم يفوض له شيئا من ذلك ويؤيده ما تقرر في قاض فاسق لم تصح توليته وظاهر أن في معنى توقف خلاص الحق عليه ما لو كان المتولي يخلص أيضا لكن برشوة له أو لبعض أتباعه ؛ لأنه حينئذ في حكم العدم وعند قاض متعنت أو جائر أي : ما لم يخش منه على نفسه كما هو ظاهر . الصيمري
ولو قال : لي [ ص: 273 ] عند فلان شهادة وهو ممتنع من أدائها من غير عذر لم يجبه لاعترافه بفسقه بخلاف ما إذا لم يقل من غير عذر لاحتماله ويتعين على المؤدي لفظ أشهد فلا يكفي مرادفه كأعلم ؛ لأنه أبلغ في الظهور ومر أوائل الباب ولو عرف الشاهد السبب كالإقرار فهل له أن يشهد بالاستحقاق أو الملك وجهان قال حكم إتيان الشاهد بمرادف ما سمعه ابن الرفعة قال ابن أبي الدم أشهرهما لا وهو ظاهر نص الأم والمختصر وإن كان فقيها موافقا ؛ لأنه قد يظن ما ليس بسبب سببا ولأن وظيفته نقل ما سمعه أو رآه ثم ينظر الحاكم فيه ليرتب عليه حكمه لا ترتيب الأحكام على أسبابها وقال ابن الصباغ كغيره بعد اطلاعه على النص تسمع وهو مقتضى كلام الشيخين ولك أن تجمع بحمل الأول على من لا يوثق بعلمه والثاني على من يوثق بعلمه لكن قولهم يندب للقاضي أن يسأل الشاهد عن جهة الحق إذا لم يثق بكمال عقله وشدة حفظه يقتضي بل يصرح بقبول شهادة غير الموثوق به مع إطلاق الاستحقاق فيتأيد به كلام ابن الصباغ وغيره ومما يصرح به أيضا قول القاضي في فتاويه لو شهدت بينة بأن هذا غير كفء لهذه لم تقبل ؛ لأنها شهادة نفي فالطريق أن يشهدوا بأنها حرام عليه إن وقع العقد ا هـ . فتأمل إطلاقه قبول قولهما حرام عليه من غير ذكر السبب لكن يتعين حمله على فقيهين متيقظين موافقين لمذهب الحاكم بحيث لا يتطرق إليهما تهمة ولا جزم بحكم فيه خلاف في الترجيح وكذا يقال في كل ما قلنا فيه بقبول الإطلاق .
ويؤيده قول المتن الآتي فإن لم يبين ووثق القاضي بعلمه فلا بأس ولو شهد واحد شهادة صحيحة فقال الآخر أشهد بما أو بمثل ما شهد به لم يكف حتى يقول بمثل ما قاله ويستوفيها لفظا كالأول ؛ لأنه موضع أداء لا حكاية قاله الماوردي وغيره واعتمده ابن أبي الدم وابن الرفعة لكن اعترضه الحسباني بأن عمل من أدركهم من العلماء على خلافه ومن ثم قال من بعده والعمل على خلاف ذلك . قال جمع : ولا يكفي أشهد بما وضعت به خطي ولا بمضمونه ونحو ذلك مما فيه إجمال وإبهام ولو من عالم ويوافقه قول ابن عبد السلام واعتمده الأذرعي وغيره ولا يكفي قول القاضي اشهدوا علي بما وضعت به خطي لكن في فتاوى البغوي ما يقتضي أنه يكفي بما تضمنه خطي إذا عرف الشاهد والقاضي ما تضمنه الكتاب ويقاس به بما وضعته به ومن ثم قال غير واحد إن عمل كثيرون على الاكتفاء بذلك في الكل ولا نعم لمن قال له نشهد عليك بما نسب إليك في هذا الكتاب إلا إن قيل ذلك له بعد قراءته عليه وهو يسمعه وكذا المقر نعم إن قال أعلم ما فيه وأنا مقر به كفى ولو قال اشهدوا أو اكتبوا أن له علي كذا لم يشهدوا ؛ لأنه ليس إقرارا كما مر بما فيه أوائل الإقرار وإنما هو مجرد أمر بخلاف اشهدوا له علي أني بعت أو أوصيت مثلا على ما ذكره بعضهم ويوجه بأن في إسناده إنشاء العقد الموجب لنفسه صريحا فصح الإشهاد به عليه بخلاف الأول ولا يجوز لمن سمع نحو إقرار أو بيع أن يشهد بما يعلم خلافه وأفتى ابن عبد السلام بجواز الشهادة على المكس أي : من غير أخذ شيء منه إذا قصد ضبط الحقوق لترد لأربابها إن وقع عدل .