ص ( وركوب )
ش : يعني أن الركوب في لأنه فعله صلى الله عليه وسلم ولأنه أقرب إلى الشكر قال في النوادر : قال الحج على الإبل والدواب لمن قدر عليه أفضل من المشي : الحج على الإبل والدواب أحب إلي من المشي لمن يجد ما يتحمل به انتهى . وقال مالك : لا خلاف في جواز الركوب والمشي واختلف في الأفضل منهما فذهب القرطبي مالك في آخرين إلى أن الركوب أفضل وذهب غيرهم إلى أن المشي أفضل ولا خلاف أن الركوب في الموقف والشافعي بعرفة أفضل واختلفوا في الطواف والسعي فالركوب عند في المناسك كلها أفضل للاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم انتهى ، وكلامه الأخير يوهم أن الركوب عند مالك في الطواف والسعي أفضل وليس كذلك بل المشي فيهما عنده من السنن المؤكدة ومن واجبات الحج الذي يجب بتركه دم والله أعلم . وقال مالك المؤلف في مناسكه : والركوب لمن قدر عليه أفضل على المعروف لأنه فعله صلى الله عليه وسلم ولأنه أقرب إلى الشكر انتهى .
( تنبيهات الأول ) ظاهر إطلاقات أصحابنا أن الركوب أفضل ولو كان الحج من مكة وهو صريح كلام من تفسيره المتقدم ذكره . القرطبي
( الثاني ) ما ذكرناه من ركوبه صلى الله عليه وسلم هو المعروف ولا يلتفت إلى تصحيح حديث الحاكم رضي الله عنه { أبي سعيد الخدري المدينة إلى مكة } لأن المعروف أنه صلى الله عليه وسلم لم يحج بيت الله الحرام بعد الهجرة إلا حجة الوداع وكان صلى الله عليه وسلم راكبا فيها بلا شك قاله أنه صلى الله عليه وسلم حج هو وأصحابه مشاة من ابن جماعة .
( الثالث ) اختار اللخمي وصاحب الطراز تفضيل المشي على الركوب للآثار الواردة في ذلك وأجابا عن ركوبه صلى الله عليه وسلم بأنه لو مشى ما وسع أحد الركوب وبأنه صلى الله عليه وسلم أسن فلم يكن من أهل المشي وليظهر للناس فيقتدون به ولهذا طاف على بعيره ونص كلام صاحب الطراز ذهب بعض الناس إلى أن الحج أفضل راكبا منه ماشيا لأن النبي [ ص: 541 ] صلى الله عليه وسلم فعله هذا غير صحيح لاتفاق الكافة على أن من نذره راكبا وحج ماشيا أنه يجزئه فلو كان راكبا أفضل ما أمر بالمشي بل كان يندب إلى الركوب وفي ولو نذره ماشيا ما وسعه أن يحجه إلا ماشيا إذا كان يطيقه عنه صلى الله عليه وسلم { البخاري } وقال ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار : وددت أني حججت ماشيا وفعله ابن عباس وجماعة من السلف أما النبي صلى الله عليه وسلم ففعل ذلك لوجوه منها أنه كان يقصد التخفيف على الأمة ولو مشى ما ركب أحد ممن حج معه ومنها أنه كان يقتدى به في فعله وكان يظهر للناس على بعيره ويلحظونه ولهذا طاف على بعيره وإن كان ذلك ممنوعا لغيره ومنها أنه لم يكن من أهل المشي فكان فيه في حقه أكبر مشقة وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتنفل جالسا لمشقة القيام فكيف بالمشي انتهى . ونحوه الحسن بن علي للخمي قال : أرى أن أمشي أفضل لقوله عليه السلام : ما اغبرت قدما عبد الحديث فدخل فيه المشي للحج والمساجد والغزو لأن كل ذلك من سبيل الله وقد روي عنه عليه السلام { } وفي أنه خرج لجنازة ماشيا ورجع راكبا الترمذي عن { علي } وقال من السنة أن يخرج للعيدين ماشيا : يستحب مالك وقال فيمن خرج للاستسقاء يخرج ماشيا متواضعا غير مظهر لزينة وكل هذه طاعات يستحب للعبد أن يأتي مولاه متذللا ماشيا وقد رئي بعض الصالحين المشي للعيدين بمكة فقيل له : أراكبا جئت ؟ قال : ما حق العبد العاصي الهارب أن يرجع إلى مولاه راكبا ولو أمكنني لجئت على رأسي وأما حجه عليه السلام فلأنه قد كان يحب ما خف على أمته وقد كان أسن فكان أكثر صلاته بالليل جالسا انتهى .
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل المشي فروى في صحيحه عن ابن حبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة موسى بن عمران منهبطا من ثنية هرشى ماشيا } وروى : كأني أنظر إلى عن ابن ماجه أن الأنبياء صلوات الله عليهم كانوا يدخلون ابن عباس الحرم مشاة حفاة ويطوفون بالبيت ويقضون المناسك حفاة مشاة { ويروى أن آدم عليه السلام حج على رجله سبعين حجة } أخرجه الأزرقي وعن أن ابن عباس آدم عليه السلام حج أربعين حجة من الهند على رجليه قيل أفلا كان يركب ؟ قال : وأي شيء كان يحمله أخرجه لمجاهد ابن الجوزي وعن أن مجاهد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام حجا ماشيين رواه وذكر البيهقي الأزرقي أن ذا القرنين حج ماشيا وعن ما آسى على شيء ما آسى على أني لم أحج ماشيا رواه ابن عباس وروي عنه أيضا أنه مرض فجمع أهله وبنيه فقال لهم : يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { البيهقي مكة حتى يرجع إليها كتب له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم } فقال بعضهم : وما حسنات : من حج ماشيا من الحرم قال : كل حسنة بمائة ألف حسنة قال ابن جماعة : ورواه وصحح إسناده ويروى أن الملائكة تعتنق المشاة وتصافح الركبان وقد قال بعضهم : قدم المشاة على الركبان في الآية ليزيل مكابدة مشقة المشي والعناء بفرح التقديم والاجتباء انتهى جميع ذلك من مناسك الحاكم ابن جماعة