ولو كان عليه أن يرد ما يفضل في يده من النفقة ; لأن الاستئجار لم يصادف محله فكان باطلا ومتى بطلت الإجارة بقي مجرد الإذن كما في استئجار النخيل لترك الثمار عليها إلى وقت الإدراك فعليه أن يرد ما فضل في يده وليس عليه شيء مما أنفق ; لأنه أنفق بإذن صحيح ، وإن عجزت النفقة عنه كان عليهم أن يكملوا له نفقة مثله وما لا بد منه له وتجزي الحجة عن الميت بمنزلة ما لو أمروه بأن يحج عن الميت من غير استئجار ، وإذا استأجروا رجلا ليحج عنه فحج فالأفضل أن يحج من قد حج ; لأنه أقدر على أداء الأفعال وأبصر بذلك ، وهو أبعد عن خلاف العلماء واشتباه الآثار ، وإن حج عنه ضرورة جاز عندنا خلافا أوصى أن يحج عنه ، وقد بيناه في المناسك ، وإن أحجوا عنه امرأة ، فإنه يجزيهم ذلك لأن { للشافعي الخثعمية حين استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن تحج عن أبيها أذن لها في ذلك واستحسن ذلك منها } ، فدل على أنه يجوز إحجاج المرأة عن الرجل ، وقد أساءوا في ذلك لنقصان حال النساء في باب الإحرام حتى أن المرأة تلبس المخيط في إحرامها ولا ترفع صوتها بالتلبية ولا ترمل في الطواف ولا تسعى في بطن الوادي وتترك طواف الصدر بعذر الحيض ولا ضرورة لهم في إحجاجها عن الميت ; لأن فيمن يحج عن الرجال كثرة ، وإن كانت أجزأها ; لأن [ ص: 173 ] الظاهر أن ذلك مجزئ كان مقصودها أو لم يكن مقصودها ، وإذا أوصى بالحج ، فإنه يحج عنه من بلده ; لأنه لو عزم على الخروج بنفسه للحج كان يخرج من بلده ويتجهز لسفر الحج من بلده فكذلك إذا أوصى به بعد موته فالظاهر أن مقصوده تجهيز من يحج عنه من بلده ، وإن مات في الطريق ، فإن كان خرج للتجارة ، فإنه يحج عنه من بلده أيضا ، وإن خرج هو يريد الحج فمات في الطريق يحج عنه من حيث مات . المرأة هي الموصية فأحجوا عنها رجلا
وفي الجامع ذكر القياس والاستحسان في المسألة ففي القياس يحج عنه من بلده ، وفي الاستحسان ، وهو قولهما يحج عنه من حيث مات وجه الاستحسان أنه باشر بعض العمل بنفسه ولم ينقطع ذلك بموته فيبني عليه كما إذا وصى بإتمامه وبيان هذا أن خروجه على قصد الحج قربة وطاعة قال الله - تعالى - : { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله } الآية ولم ينقطع ذلك بموته لما روي أن النبي عليه السلام قال : { من مات في طريق الحج كتب له حجة مبرورة في كل سنة } ، وهذا بخلاف ما إذا خرج للتجارة ، فإن سفره ذلك ليس لأداء الحج فلا يصير به مؤديا شيئا من الأعمال وبخلاف ما إذا مات بعدما أحرم ; لأن إحرامه انقطع بالموت ولهذا يخمر وجهه ورأسه ولا يمكن البناء على المنقطع .
يوضحه أن في اعتبار هذا الطريق تحصيل مقصوده ، وفي الأخذ بالقياس تفويت مقصوده ; لأن الذي يحج عنه من بلده ربما يموت فيحتاج إلى أن يحج آخر من بلده أيضا حتى يفنى في ذلك ماله قبل أن يحصل مقصوده . وجه قول أن عمله قد انقطع بموته ولا بناء على المنقطع كما لو أحرم ، ثم مات وأوصى أن يحج عنه وبيان هذا من وجهين أحدهما أن النبي عليه السلام قال : { أبي حنيفة آدم ينقطع بموته إلا ثلاثة } ، والخروج للحج ليس من هذه الثلاثة فينقطع بالموت ، ثم خروجه إنما يكون قربة بطريق موصل إلى أداء الحج ، وقد تبين أن هذا الخروج ما كان يوصله إلى ذلك والدليل عليه أنه ظهر بموته أن سفره كان سفر الموت لا سفر الحج لما روي أن النبي عليه السلام قال : { كل عمل ابن } ، فكان هذا في المعنى وخروجه للتجارة سواء ، ثم هناك يحج عنه من بلده فهنا كذلك ، وإن كان إذا أراد الله - تعالى - قبض روح عبد بأرض جعل له إليها حاجة ، فإنه يحج عنه من أقرب الأوطان إلى له أوطان مختلفة فمات ، وهو مسافر وأوصى بالحج عنه مكة ; لأنه هو المتيقن به وبمطلق اللفظ لا يثبت إلا بالتيقن بما هو كامل في نفسه ; لأن الإطلاق يقتضي الكمال ، فإن لم يكن له وطن فمن حيث مات ; لأنه لو تجهز بنفسه للحج إنما يتجهز من حيث هو فكذلك إذا أوصى ، وهذا لأن من لا وطن له [ ص: 174 ] فوطنه حيث حل ، وإن أحجوا عنه من موضع آخر ، فإن كان أقرب إلى مكة فهم ضامنون ، وإن كان أبعد فلا ضمان عليهم ; لأن في الأول لم يحصل مقصوده بصفة الكمال والإطلاق يقتضي ذلك ، وفي الثاني حصلوا مقصوده وزيادة .