وإذا لم يبطل شيء من الدين ; لأن كل واحدة من البنتين مملوكة للراهن غير مضمونة على المرتهن . كان الرهن أمتين قيمة كل واحد منهما : ألف درهم فولدت كل واحدة منهما بنتا تساوي ألفا ، والدين ألف ، فقتلت إحدى الاثنتين صاحبتها
وقد بينا : أن اعتبار الجناية لحق المرتهن لا لحق الراهن ، ولا منفعة للمرتهن في اعتبار هذه الجناية ، فيجعل كأن إحداهما هلكت من غير صنع أحد ، فلا يسقط شيء من الدين ، فإن ماتت أم المقتولة بقيت القاتلة وأمها : بستمائة وسبعة وثمانين ، ونصف الأم من ذلك بمائتين وخمسين والبنت بمائتين وخمسين من الرهن الأول وبمائة وسبعة وثمانين ونصف مما لحقها من الجناية لأن كل واحدة منهما ، لما ولدت انقسم ما كان فيها من الدين على قيمتها ، وعلى قيمة البنت ، فكان في البنت المقتولة مائتان وخمسون ، وفي أمها مثل ذلك وفي البنت القاتلة مائتان وخمسون ، فلما قتلت إحدى الاثنتين الأخرى نظرنا إلى مقدار الفارغ من القاتلة ، وذلك ثلاثة أرباعها ; لأن قيمتها ألف وفيها مائتان وخمسون ، فتحول مقدار ذلك مما كان في المقتولة إلى القاتلة ، والذي كان في المقتولة مائتان وخمسون ، فثلاثة أرباع ذلك مائة وسبعة وثمانون ونصف تحول ذلك إلى القاتلة باعتبار جناية الفارغ على المشغول ، وربع ذلك كان عاد إلى أم المقتولة ; لفوات ذلك الجزء من ولدها لا إلى خلف ، وقد سقط ذلك بموتها مع ما بقي فيها ; فلهذا افتك القاتلة مع أمها بستمائة وسبعة وثمانين ، ونصف ولم يعتبر هذا التوزيع قبل موت أم المقتولة ; لأن ذلك غير مفيد فإن اعتباره إذا جاء أو أن سقوط شيء من الدين قبل موت أم المقتولة ، سواء جعلت المقتولة فائتة لا إلى بدل أو القاتلة لم يسقط [ ص: 170 ] شيء من الدين ; فلهذا لا يعتبر
( قال رضي الله عنه ) : في جواب هذه المسألة بعض إشكال عندي ; لأن الخمسمائة التي في أم المقتولة إنما انقسمت عليها وعلى ولدها نصفين بشرط بقاء الولد على تلك القيمة إلى وقت الفكاك ، ولم يبق فإن بعض المقتولة هلك ، ولم يخلف بدلا وهو ما تلف بجناية المشغول على الفارغ ، وبجناية الفارغ على الفارغ ، وبجناية المشغول على المشغول ، فكيف يستقيم تخريج الجواب على أن المشغول من المقتول ربعها ؟ ( قال رضي الله عنه ) : والذي تخيل لي بعد التأمل في الجواب عن هذا السؤال : أن جناية القاتلة على المقتولة فيما جعل هدرا يكون كجناية الراهن ; لأنه إنما جعل ذلك هدر باعتبار جناية ملكه ، ويستقيم أن يجعل فعل المملوك كفعل المالك ولأجله جعل هدرا ، وفعل الراهن بمنزلة الفكاك فيتم به ذلك الانقسام ، ولا يبطل فإن قال قائل : كما تعتبر جناية الفارغ على المشغول ينبغي أن تعتبر جناية المشغول على الفارغ في أصل الرهن ; لأن المشغول من أصل الرهن مضمون ، فيكون هذا كجناية المغصوب على وديعة المغصوب منه في يد الغاصب ، قلنا : الفرق بينهما ظاهر فإن ضمان الغصب ضمان العين ، وهو يوجب الملك في العين إذا تقرر ، فباعتبار المال المغصوب منه يكون للغاصب إذا تقرر عليه ضمانه ، وتبين أن هذه جناية عند الغاصب على ملك المغصوب منه ، فكان معتبرا ، فأما ضمان الرهن ضمان الاستيفاء والعين ، فكحكم الأمانة . ( ألا ترى ) : أن تقرر هذا الضمان لا يوجب الملك في العين للمرتهن ، فلا يتبين أن جنايته حصلت على عبد غير مالكه ; فلهذا لا تعتبر هذه الجناية إلا لحق المرتهن من الوجه الذي قررنا .