قال [ ص: 9 ] والوكالة في كل خصومة جائزة ، ما خلا الحدود والقصاص أو سلعة ترد من عيب ، والمراد ، فإن التوكيل باستيفاء الحدود باطل بالاتفاق ; لأن الوكيل قائم مقام الموكل ، والحدود تندرئ بالشبهات فلا تستوفى بما يقوم مقام الغير في ذلك من ضرب وشبهه ، ألا ترى أنها لا تستوفى في كتاب القاضي إلى القاضي ، والشهادة على شهادة النساء مع الرجال ، وكذلك التوكيل باستيفاء القصاص لا يجوز ، ولا يستوفى في حال غيبة الموكل عندنا وعند التوكيل باستيفاء الحدود والقصاص - رحمه الله تعالى - يستوفيه الوكيل ; لأنه محض حق العباد ، ومبنى حقوق العباد على الحفظ والصيانة عليهم ، فكان لصاحب القصاص أن لا يحضر بنفسه ويوكل باستيفائه دفعا للضرر عن نفسه كسائر حقوقه ، ولكنا نقول هذه عقوبة تندرئ بالشبهات ، فلا تستوفى بمن يقوم مقام الغير كالحدود ، ولهذا لا تستوفى في كتاب القاضي إلى القاضي ، ولا بشهادة النساء مع الرجال ، وتوضيحه أنه لو استوفى في حال غيبة الموكل كان استيفاء مع تمكن شهادة العفو لجواز أن يكون الموكل عفا بنفسه ، والوكيل لا يشعر به ، ولهذا إذا كان الموكل حاضرا يجوز للوكيل أن يستوفي ; لأنه لا تتمكن فيه شبهة العفو ، وقد يحتاج الموكل إلى ذلك ، إما لعلة هدايته في الاستيفاء ، أو لأن قلبه لا يحتمل ذلك ، فيجوز التوكيل في الاستيفاء عند حضرته استحسانا . الشافعي