ولو فالاستثناء جائز ويطرح من الألف قيمة الدينار ، وهذا قول قال : له علي ألف درهم إلا دينارا رحمه الله أبي حنيفة وأبي يوسف استحسانا ، وفي القياس لا يصح هذا الاستثناء ، وهو قول محمد رحمهما الله . وكذلك لو قال : إلا فلسا أو كر حنطة أو استثنى شيئا مما يكال أو يوزن أو يعد عدا فهو على هذا الخلاف ، فأما إذا قال : إلا شاة أو ثوبا أو عرضا من العروض فالاستثناء باطل عندنا ، وقال وزفر رحمه الله صحيح ويطرح عنه بقدر قيمة المستثنى أما الكلام مع الشافعي رحمه الله بناء على الاختلاف في موجب الاستثناء فعنده موجب الاستثناء امتناع ثبوت الحكم في المستثنى لقيام الدليل المعارض بمنزلة دليل الخصوص في العموم ، فإذا قال : لفلان علي عشرة إلا درهم يصير كأنه قال : إلا درهم فإنه ليس علي فلا يلزم الدرهم للدليل المعارض لأول كلامه ; لأنه يصير كالاستثناء [ ص: 88 ] الدعوتين القول قول صاحب اليد كما لو الشافعي كان هو أولى بها ، ولأن الظاهر شاهد له ، ولأن وضعه الجذوع دليل على أنه بنى الحائط لحاجته إذا وضع حمله عليه ومثل هذه العلامة تثبت الترجيح كما إذا اختلف الزوجان في متاع البيت يجعل ما يصلح للرجل للرجل وما يصلح للنساء للمرأة تنازعا في دابة لأحدهما عليها حمل
وإن كان لأحدهما عليه هوادي أو بواري لا يستحق به شيئا ; لأن هذا ليس بجهل مقصود بني الحائط لأجله فلا يثبت به الترجيح كما لو لا يستحق به الترجيح بخلاف الجذوع فإنه حمل مقصود يبنى الحائط لأجله فيثبت له اليد باعتباره . وكذلك إن كان لأحدهما عليه جذوع أو اتصال وللآخر بواري فهو لصاحب الجذوع والاتصال ، وإن كان لأحدهما عليه جذوع وللآخر اتصال فصاحب الجذوع أولى ومراده من هذا مداخلة أنصاف اللبن بعضها في بعض إذا كان من أحد الجانبين هذا النوع من الاتصال ببناء أحدهما لأن وضع الجذوع استعمال للحائط والاتصال مجاورة واليد تثبت بالاستعمال دون المجاورة فكان صاحب الجذوع أولى كما لو تنازعا في دابة ولأحدهما عليه مخلاة علقها فالراكب أولى ، وذكر تنازعا في دابة وأحدهما راكبها والآخر متعلق بلجامها رحمه الله أن صاحب الاتصال أولى ; لأن الكل صار في حكم حائط واحد فهذا النوع من الاتصال في بعضه متفق عليه لأحدهما فيرد المختلف فيه إلى المتفق عليه ، ولأن الظاهر أنه هو الذي بناه مع حائطه فمداخلة أنصاف للبن لا يتصور إلا عند بناء لحائطين معا فكان هو أولى . الطحاوي
قال في الكتاب إلا أن يكون اتصال تربيع بيت أو دار فيكون لصاحب الاتصال حينئذ ، وكان رحمه الله يقول صفة هذا الاتصال أن يكون هذا الحائط المتنازع من الجانبين جميعا متصلا بحائطين لأحدهما والحائطان متصلان بحائط له بمقابلة الحائط المتنازع حتى يصير مربعا شبه القبة فحينئذ يكون الكل في حكم شيء واحد فصاحب الاتصال أولى والمروي عن الكرخي أبي يوسف رحمه الله أن المعتبر اتصال جانبي الحائط المتنازع بحائطين لأحدهما ، فأما اتصال الحائطين بحائط أخرى غير معتبر وعليه أكثر مشايخنا رحمهم الله لأن الترجيح إنما يقع له يكون ملكه محيطا بالحائط المتنازع من الجانبين ، وذلك يتم بالاتصال بجانبي الحائط المتنازع ولصاحب الجذوع موضع جذوعه ; لأن استحقاق صاحب الاتصال بالظاهر ، وهو حجة لدفع الاستحقاق لا للاستحقاق على الغير فلا يستحق به على صاحب الجذوع رفع جذوعه ، فإن ( قيل ) لما قضى بالحائط لصاحب الاتصال فينبغي أن يأمر الآخر برفع الجذع ; لأنه حمل موضوع [ ص: 89 ] له في ملك الغير بغير سبب ظاهر لاستحقاقه كما لو يقضى لصاحب الحمل ويؤمر الآخر برفع المخلاة قلنا ; لأن وضع المخلاة على دابة الغير لا يكون مستحقا له في الأصل بسبب فكان من ضرورة القضاء بالدابة لصاحب الحمل أمر الآخر برفع المخلاة تنازعا في دابة ولأحدهما عليها حمل وللآخر مخلاة
فأما هنا فقد يثبت له حق وضع الجذوع على حائط لغيره بأن كان ذلك مشروطا في أصل القسمة فليس من ضرورة الحكم لصاحب الاتصال استحقاق رفع الجذوع على الآخر ، وهذا بخلاف ما لو أقام أحدهما البينة وقضي له به يؤمر الآخر برفع جذوعه ; لأن البينة حجة للاستحقاق فيستحق صاحبها رفع جذوعه عن ملكه ، وإن لم يكن متصلا ببناء أحدهما ، ولم يكن عليه جذوع فهو بينهما نصفان لاستوائهما فيه في اليد حكما فإنه بكونه بين داريهما يثبت لكل واحد منهما عليه اليد حكما ، وإن كان لأحدهما عليه عشر خشبات وللآخر عليه خشبة واحدة فلكل واحد منهما ما تحت خشبته ولا يكون بينهما نصفان استحسن ذلك في الخشبة والخشبتين وهكذا ذكر في كتاب الصلح .
وقال في كتاب الإقرار : الحائط كله لصاحب عشر خشبات إلا موضع الخشبة فإنه لصاحبها وروى بشر عن أبي يوسف عن رحمهم الله أن الحائط بينهما نصفان ، وهو قول أبي حنيفة أبي يوسف رحمه الله ، وهو القياس ووجهه أن الاستعمال بموضع الخشبة يثبت يد صاحبها عليه فصاحب القليل فيه يستوي بصاحب الكثير كما لو كان بينهما نصفين ووجه رواية كتاب الإقرار لصاحب العشر خشبات عليه حمل مقصود يبنى الحائط لأجله ، وليس لصاحب الخشبة الواحدة مثل ذلك ، ولأن الحائط لا يبنى لأجل خشبة واحدة عادة وإنما ينصب لأجلها أسطوانة فكان صاحب العشر خشبات أولى به كما في تنازعا في ثوب عامته في يد أحدهما فطرف منه في يد الآخر يقضى بها لصاحب الحمل إلا أنه لا يرفع خشبة الآخر ; لأن استحقاق صاحب الخشبات باعتبار الظاهر يستحق به رفع الخشبة على الآخر وأما وجه رواية كتاب الدعوى أن الاستحقاق باعتبار وضع الخشبة فيثبت لكل واحد منهما الملك فيما تحت خشبته لوجود سبب الاستحقاق به في ذلك الموضع ، فأما ما بين الخشبات لم يذكر في الكتاب أنه يقضى به لأيهما ; لأن من أصحابنا رحمهم الله من قال يقضى بالكل بينهما على إحدى عشر سهما عشرة لصاحب الخشبات وسهم لصاحب الخشبة الواحدة اعتبارا لما بين الخشبات بما هو تحت كل خشبة من الحائط وأكبرهم على أنه يقضى به لصاحب العشر [ ص: 90 ] رحمهم الله وعليه كر حنطة وقفيز شعير . الدابة إذا كان لأحدهما عليها حمل مقصود وللآخر مخلاة
وجه قولهما أن الكلام موصول ، وفي حق الشعير إنما استثنى بعض ما أقر به فيكون صحيحا كما لو بدأ باستثناء الشعير ، فقال : إلا قفيز شعير وكر حنطة وأبو يوسف رحمه الله يقول استثناؤه كر حنطة باطل فيكون ذلك لغوا من الكلام ، وقد تخلل بين المستثنى والمستثنى منه في الشعير ومتى تخلل بين المستثنى والمستثنى منه كلام لغو كان الاستثناء باطلا ; لأن شرط صحة الاستثناء الوصل والكلام اللغو فاصل بمنزلة السكوت أو أبلغ منه فإن التكلم باللغو إعراض عن الجد ، وليس في السكوت إعراض ، وهذا باطل نظير اختلافهم فيمن قال لامرأته أنت طالق ثلاثا وثلاثا إن شاء الله أو قال : لعبده أنت حر وحر إن شاء الله ، وعند رحمه الله الاستثناء باطل ويقع الطلاق والعتاق جميعا ; لأن كلامه الثاني لغو فصار فاصلا أبي حنيفة وعندهما الاستثناء صحيح لكون الكلام موصولا ظاهرا .