( وإذا ) : وسعه إمساكه قصاصا بما ذهب به من وديعته ; لأن المال صار دينا له على المستودع بجحوده . وصاحب الحق متى ظفر بجنس حقه من مال المديون يكون له أن يأخذه . والأصل فيه : قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جحد المستودع ما عنده من الوديعة ، ثم أودع من ماله عند المودع مثل ذلك لهند : { ما يكفيك وولدك بالمعروف أبي سفيان } . خذي من مال
( وقيل ) في تأويل قوله - صلى الله عليه وسلم - لصاحب الحق : اليد واللسان ، أن المراد أخذ جنس حقه إذا ظفر به . وكذلك إن كان المال دينا عليه ، وأنكره ، ثم أودعه مثله ، فأما إذا أودعه شيئا من غير جنس حقه لم يسعه إمساكه عنه ; لأن هذا بيع عند اختلاف الجنس فلا ينفرد هو به ، والأول : استيفاء ، وصاحب الحق ينفرد بالاستيفاء ، وحكي عن رحمه الله التسوية بينهما ; للمجانسة من حيث المالية ، ولكنه بعيد ; فالوديعة عين لا يكون له أن يحبسها باعتبار صفة المالية ، إذا لم يثبت له حق تملك العين ، ولا يدخل عليه المرهون ; لأن هناك : المرتهن يحبس المرهون بإيجاب الراهن ملك اليد له في العين ، وإن كان عند الهلاك يصير مستوفيا دينه باعتبار المالية ، ثم عند المجانسة إذا طلب الثاني يمين المودع الأول ، كان له أن يحلف بالله : لا يلزمني تسليم شيء إليك ، فإن قال للقاضي : حلفه بالله ما استودعته كذا : فله ذلك إلا أن يؤدي المدعى عليه ، فيقول : قد يودع الرجل غيره شيئا ، ثم لا يلزمه تسليم شيء إليه . فإن أدى بهذه الصفة ، فقد طلب من القاضي أن ينظر له ، فيجيبه إلى ذلك . ابن أبي ليلى
فأما إذا لم يذكر هذا فإن القاضي يحلفه - كما طلب الخصم - بالله ما أودعه ما يدعي ، ثم لا ينبغي له أن يحلف على ذلك ; لأنه يكون كاذبا في يمينه ، ولا رخصة في اليمين الكاذبة ، فطريق التخلص له : أن [ ص: 129 ] يعرض للقاضي بما ذكرنا ، أو يحلف : ما استودعتني شيئا إلا كذا وكذا ، يستثني ذلك بكلامه ويخفيه من خصمه ومن القاضي ، ويسعه ذلك ; لأنه مظلوم دافع الضرر عن نفسه ، غير قاصد إلى الإضرار بغيره ، إلا أن مجرد نيته لا تكفي لذلك ; لأنه يحتاج إلى إخراجه من جملة ما يتناوله كلامه ، لولا الاستثناء ، وذلك يحصل بالنية ; لأن الاستثناء بيان أن كلامه عبارة عما وراء المستثنى ، فلا يحصل ذلك إلا بما يصلح أن يكون ناسخا ، أو معارضا ، ومجرد النية لا تصلح لذلك ; فلهذا شرط التكلم بالاستثناء . وجه ذلك ما لو قرب إنسان أذنه من فمه سمع ذلك ، وفهمه .