وإذا ، [ ص: 117 ] كان ضامنا لها ; لوجهين ( أحدهما ) : أنه بالجحود صار متملكا ; فإن الشرع جعل القول قوله فيما في يده ، ولا يتملك أحد مال الغير بغير رضاه إلا بالضمان ، ولأن المالك عزله عن الحفظ حين طالبه بالرد ، فهو بالجحود صار مانعا المالك عن ملكه ، مفوتا عليه يده الثابتة حكما ; فيكون كالغاصب : ضامنا بهذا الطريق ، ولم يذكر في الكتاب إذا جحدها ، لا في وجه المودع ، فإن طلب المودع الوديعة ، فجحدها المستودع ، أو جحدها في وجه المودع ، من غير أن يطالبه بالرد بأن قال له إنسان : ما حال وديعة فلان عندك ؟ فجحدها . وذكر الفصلين في اختلاف قال له : ما حال وديعتي عندك ؟ ليشكره على حفظها ، فجحدها زفر ويعقوب رحمهما الله أنه على قول يكون ضامنا ; لما ذكر : أنه بالجحود متملك لها ، ومفوت يد المالك حكما . زفر
( وقال ) أبو يوسف : لا يكون ضامنا ; لأن المالك ما عزله عن الحفظ ; فيكون العقد باقيا وباعتبار بقائه ، يده كيد المالك في العين ، ولأن الجحود في حال غيبة المالك من الحفظ ; لأنه طريق لدفع طمع الطامعين عنها ; فلا يكون موجبا للضمان عليه .
فإن : فهو ضامن لها ; لأنه بالجحود صار ضامنا ، وهلاك المضمون في يد الضامن يقرر عليه الضمان ، وكذلك إن أقام البينة أنها كانت ضاعت قبل جحوده ; لأن البينة لا تقبل إلا بعد تقدم الدعوى ، وهو مناقض في كلامه ، فجحوده أصل الإيداع يمنعه من دعوى الهلاك قبله ; فلهذا لا تقبل بينته ، إلا أن يقر المودع بذلك ، فحينئذ لا ضمان على المودع ; لأن الإقرار موجب بنفسه في حق المقر ، ولأن المناقض إذا صدقه خصمه كان مقبول القول . وإن أقام رب الوديعة البينة بعد جحود المودع أنه استودعه كذا ، ثم أقام المستودع البينة أنها ضاعت : فهو ضامن لها ; لما بينا أن جحوده أصل الإيداع يمنعه من دعوى الهلاك قبله ، والهلاك بعد الجحود يؤكد الضمان عليه . وإن قال : لم تودعني شيئا ثم قال : قد أودعتني ولكنها هلكت ، لم يصدق وهو ضامن لها . وطعن قال : قد أعطيتكها ، ثم قال بعد أيام : لم أعطكها ، ولكنها ضاعت في هذا وقال : لا ضمان عليه ; لأنه تكلم بكلامين ، لو تكلم بكل واحد منهما على الانفراد لم يكن ضامنا ، فبمجموعهما كيف يصير ضامنا ؟ وتقرير هذا من وجهين ، ( أحدهما ) : عيسى
أن الضمان يستدعي سببا - لا محالة - ولم يوجد ; لأن قبضه بإذن المالك ، ولم يوجد منه جحود ليكون ضامنا .
( والثاني ) :
أن قول المودع : رددتها ، أو هلكت ، معتبر في نفي الضمان عنه ، لا في ثبوت الرد به ; ولهذا لو ادعى الرد على الوصي ، لم يضمن الوصي شيئا ، وإذا كان المقصود نفي الضمان عنه ، ولا تناقض بين كلاميه فيما هو المقصود ، لا يكون ضامنا شيئا . ووجه ظاهر الرواية أنه مناقض في كلامه ; لأن إخباره بالرد [ ص: 118 ] يمنعه من دعوى الهلاك في يده ، وإخباره بالهلاك في يده يمنعه من دعوى الرد ; فسقط اعتبار كلامه للتناقض ، فيبقى ساكتا ممتنعا من رد الوديعة بعد ما طالب بها ، وذلك سبب موجب للضمان عليه ; فكان ضامنا لهذا .