ولو أنفق على ولد له أب معروف بغير إذن أبيه كان متطوعا في ذلك فكذلك إذا أنفق على اللقيط ، وهذا لأن بالالتقاط يثبت له من الحق بقدر ما ينتفع به اللقيط ، وهو الحفظ والتربية ، ولم يثبت له عليه ولاية إلزام شيء في ذمته لأن ذلك لا ينفعه ، ولأنه ليس بينهما سبب مثبت للولاية ، ولهذا لا يرجع بالنفقة عليه ، ولأن الغالب من أحوال الناس أنهم بمثل هذا يتبرعون ، وفي الرجوع لا يطمعون ، ومطلق الفعل محمول على ما هو المعتاد فإن أمره [ ص: 211 ] القاضي أن ينفق عليه على أن يكون ذلك دينا عليه فهو جائز ، وهو دين عليه لأن القاضي نصب ناظرا ، ومعنى النظر فيما أمر به فإنه إذا لم يكن في بيت المال مال ، وأبى الملتقط أن يتبرع بالإنفاق فتمام النظر بالأمر بالإنفاق عليه لأنه لا يبقى بدون النفقة عادة ، وللقاضي عليه ولاية الإلزام لأنه ولي كل من عجز عن التصرف بنفسه يثبت ولايته بحق الدين ، ومن وجه هذه الولاية فوق الولاية الثابتة بالأبوة فلهذا اعتبر أمره في إلزام الدين عليه ، وقد قال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى مجرد أمر القاضي بالإنفاق عليه يكفي ، ولا يشترط أن يكون دينا عليه ، ولأن أمر القاضي نافذ عليه كأمره بنفسه أن لو كان من أهله . ولو أمر غيره بالإنفاق عليه كان ما ينفق دينا عليه فكذلك إذا أمر القاضي به ، والأصح ما ذكره في الكتاب أن يأمره على أن يكون دينا عليه لأن مطلقه محتمل قد يكون للحث والترغيب في إتمام ما شرع فيه من التبرع فإنما يزول هذا الاحتمال إذا اشترط أن يكون دينا له عليه فلهذا قيد الأمر به فإذا رجع عليه به ، وإن كذبه فالقول قول اللقيط ، وعلى المدعي البينة لأنه يدعي لنفسه دينا في ذمته ، وهو ليس بأمين في ذلك ، وإنما يكون أمينا فيما ينفي به الضمان عن نفسه فلهذا كان عليه إثبات ما يدعيه بالبينة . ادعى بعد بلوغه أنه أنفق عليه كذا ، وصدقه اللقيط في ذلك