باب المدبر
( قال ) رضي الله عنه اعلم بأن التدبير عبارة عن العتق الموقع في المملوك بعد موت المالك عن دبر منه مأخوذ من { } قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أم الولد فهي معتقة عن دبر منه أن يتعلق عتقه بمطلق موت المولى كما يتعلق عتق أم الولد به ولهذا قال وصورة المدبر رضي الله عنه إن المدبر يعتق من جميع المال كأم الولد وهو قول ابن مسعود حماد رضي الله تعالى عنه وإحدى الروايتين عن رحمه الله تعالى ولكنا لا نأخذ بهذا وإنما نأخذ بقول إبراهيم علي وسعيد بن المسيب والحسن وشريح رضوان الله عليهم أجمعين أنه يعتق من الثلث لحديث وابن سيرين رضي الله عنهما { ابن عمر } ولأن التدبير خلافة بعد الموت فيتقدر حقه بعد الموت وحق المولى بعد الموت في ثلث ماله فيعتبر خلافته في هذا المقدار فيكون من ثلثه كسائر الوصايا ، وفي أم الولد إنما يعتق من جميع المال لسقوط قيمة ماليتها على ما قررنا أن الإحراز بعد الاستيلاد لقصد ملك المتعة لا لقصد المالية وبدون الإحراز لا تثبت المالية والتقوم وهذا المعنى لا يتقرر بالتدبير فإن التدبير ليس بقصد إلى الإحراز لملك المتعة فيبقى الإحراز بعده للتمول ، وإذا بقي مالا متقوما كان معتبرا من ثلثه وعلى هذا قال علماؤنا رحمهم الله تعالى أنه لا يجوز أن النبي جعل المدبر [ ص: 179 ] من الثلث وقال بيع المدبر رحمه الله تعالى يجوز بيعه الشافعي { عطاء نعيم بن النحام بثلثمائة درهم } وعن لحديث أن رجلا دبر عبدا له ثم احتاج إلى ثمنه فباعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل يقال لهعائشة رضي الله تعالى عنها أنها دبرت أمة لها فسحرتها وعلمت بذلك فقالت ما حملك على ما صنعت فقالت حبي العتاق فباعتها من أسوإ الناس ملكة والمعنى فيه أن التدبير تعليق العتق بالشرط وذلك لا يمنع جواز البيع كما لو علقه بشرط آخر من دخول الدار أو مجيء رأس الشهر ، والتدبير وصية حتى يعتبر من ثلث المال بعد الموت والوصية لا تمنع الموصي من التصرف بالبيع وغيره كما لو أوصى برقبته لإنسان ، وهذا لأن الوصية إيجاب بعد الموت فتمنع الإضافة بثبوت حكم الوجوب في الحال .
( وحجتنا ) حديث عن نافع رحمه الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ابن عمر } وتأويل حديث لا يباع المدبر ولا يوهب وهو حر من الثلث ما نقل عن عطاء رحمه الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أبي جعفر محمد بن علي } يعني به أنه أجره والإجارة تسمى بيعا بلغة أهل إنما باع خدمة المدبر لا رقبته المدينة أو يحتمل أنه كان مدبرا مقيدا أو كان في وقت كان بيع الحر جائزا على ما روي { } ثم انتسخ ذلك الحكم ، وعن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه باع رجلا يقال له سرق في دينه زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهما قالا لا يباع المدبر وما نقل عن وابن عمر عائشة رضي الله تعالى عنها تعالى عنها محمول على المدبر المقيد ليكون جمعا بينهما والمعنى فيه أنه مملوك تعلق عتقه بمطلق موت سيده فلا يجوز بيعه كأم الولد ، ودليل الوصف أن التعلق حكم التعليق وإنما يتعلق بما به علق السيد وهو إنما علقه بمطلق الموت وتأثيره أن الموت كائن لا محالة وهو سبب للخلافة ألا ترى أن الوارث يخلف المورث في تركته بعد موته فهو بهذا التعليق يكون مثبتا للمملوك في الحال الخلافة في رقبته بعد موته فيكون إيجابا في ثاني الحال باعتبار وجود سببه على وجه يصير محجورا [ ص: 180 ] عن إبطاله كما أن الموت لما كان موجبا الخلافة للوارث في تركته وسببه المرض ثبت نوع حق لهم بهذا السبب على وجه يصير المريض محجورا عن التبرع ، وهذه الخلافة في العتق الذي لا يحتمل الإبطال بعد ثبوته ، فيتقوى هذا السبب من وجهين أحدهما : أن المتعلق به مما لا يحتمل الإبطال ، والثاني : أن التعليق بما هو كائن لا محالة وهو موجب للخلافة ، ولهذه القوة قلنا لا يحتمل الإبطال والفسخ بالرجوع عنه بخلاف ما يقوله رحمه الله تعالى في بعض أقاويله وهو ضعيف جدا بأن تعليق العتق بسائر الشروط يحتمل الفسخ فهذا الشرط أولى ولهذه القوة يجب حق الحرية له في الحال على وجه يمنع بيعه ويثبت استحقاق الولاء للمولى على وجه لا يجوز إبطاله بخلاف التعليق بسائر الشروط فإن دخول الدار ونحو ذلك ليس بكائن لا محالة والتدبير المقيد وهو قوله إن مت من مرضي هذا ليس بكائن لا محالة أيضا والتعليق بمجيء رأس الشهر فإن ذلك ليس بسبب موجب للخلافة . الشافعي
وكذلك الوصية برقبته لغيره فإن ذلك تمليك يحتمل الإبطال بعد ثبوته فلا يجب به الحق بنفسه ، وتقرر بهذا التحقيق أن المدبر في معنى أم الولد إلا أن هناك معنيين تعلق بأحدهما وجوب حق الحرية في الحال وبالآخر سقوط المالية والتقوم ثم وجد أحد المعنيين ههنا دون الآخر فيتعدى بذلك المعنى حكم ثبوت حق الحرية إلى المدبر ولا يتعدى حكم سقوط المالية والتقوم لانعدام معناه هنا فلهذا كان معتبرا من الثلث ، على هذا نقول ولد المدبرة يكون مدبرا ; لأنه وجب حق الحرية لها في الحال فيسري إلى الولد كالاستيلاد وهو دليلنا على ، وبعض أصحابه يمنعون سرايته إلى الولد وهو ضعيف جدا ; لأنه مخالف لقول الصحابة والتابعين وقد قال الشافعي رضي الله عنه ولد المدبرة مثل أمه وخوصم إلى ابن مسعود رضي الله عنه في أولاد مدبرة فقضى بأن ما ولدته قبل التدبير عبد يباع وما ولدته بعد التدبير فهو مثلها لا يباع وعن عثمان شريح وسعيد بن المسيب وجماعة منهم رضوان الله عليهم أجمعين أنهم قالوا : ولد المدبرة مدبر . وقتادة
إذا عرفنا هذا فنقول .