( قال ) : ولو طلقت ; لأن الركوب مستدام حتى تضرب له المدة يقال : ركبت يوما ، والاستدامة على ما يستدام إنشاء قال الله تعالى : { قال لها : أنت طالق إن ركبت ، وهي راكبة فمكثت كذلك ساعة وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى } أي لا تمكث قاعدا ، وكذلك لو يحنث بخلاف ما لو قال : أنت طالق إن قعدت ، وهي قاعدة ، أو إن قمت ، وهي قائمة ، أو إن مشيت ، وهي ماشية ، أو إن اتكأت ، وهي متكئة فمكثت كذلك ساعة كذلك لم تطلق حتى تخرج وتدخل ; لأن الدخول ليس بمستدام فإنه انفصال من الخارج إلى الداخل ، ألا ترى أنه لا تضرب له المدة ، فلا يقال : دخل يوما ، وإنما يقال : دخل ، وإنما يقال : دخل وسكن يوما ، والخروج نظير الدخول ; لأنه انفصال من الداخل إلى الخارج فلا يكون لاستدامته حكم إنشائه . قال : أنت طالق إن دخلت الدار ، وهي في الدار فمكثت
ولو ففي القياس تطلق واحدة ، وهو [ ص: 136 ] قول قال : أنت طالق ما بين تطليقة إلى ثلاث ، أو من تطليقة إلى ثلاث رحمه الله تعالى ; لأنه جعل الأولى ، والثالثة غاية ، والغاية حد فلا تدخل في المحدود كقوله : بعت منك من هذا الحائط إلى هذا الحائط ، فيكون الواقع ما بين الغايتين ، وهي الواحدة . زفر
وفي الاستحسان ، وهو قول أبي يوسف رحمهما الله تعالى تطلق ثلاثا ; لأن الحد إنما يكون في ذوي المساحات ، فأما في عرف اللسان إنما يراد بمثل هذا الكلام دخول الكل ، فإن الرجل يقول : خذ من مالي من درهم إلى عشرة ، فيكون له أخذ العشرة ، ويقول : كل من الملح إلى الحلو فيكون المراد تعميم الإذن ، ومطلق الكلام محمول على عرف أهل اللسان ومحمد رحمه الله تعالى يقول : القياس ما قاله وأبو حنيفة أن الحد غير المحدود ، ولكن في إدخال الأولى ضرورة ; لأنه أوقع الثانية ، ولا ثانية قبل الأولى ، ولا بد للكلام من ابتداء . زفر
فإذا لم يوقع الأولى ; تصير الثانية ابتداء فلا يمكن إيقاعها أيضا فلأجل الضرورة ; أدخلت الغاية الأولى ، ولا ضرورة في الغاية الثانية فأخذت فيها بالقياس وقلت : تطلق اثنتين ، وهذا ; لأن الغاية التي ينتهي الكلام إليها قد لا تدخل كالليل في قوله تعالى { ثم أتموا الصيام إلى الليل } ، وقد تدخل كالمرافق ، والكعبين في الوضوء ، فإن : قال أردت واحدة لا يدين في القضاء ، وهو يدين فيما بينه وبين الله تعالى ; لاحتمال الكلام ما نوى ، وإن ، والطلاق بالشك لا يقع ففي القياس قول قال : أنت طالق ما بين واحدة إلى أخرى : لا يقع شيء ، وفي قول زفر : تطلق واحدة ، وعندهما تطلق اثنتين . أبي حنيفة
وإن قال : من واحدة إلى واحدة قيل : هو على الخلاف ، وقيل : تقع واحدة عندهم جميعا ; لأن الشيء لا يكون غاية نفسه فكان قوله : إلى واحدة لغوا ، وإن قال : أنت طالق واحدة ، أو لا شيء فهي طالق تطليقة رجعية في قول رحمه الله تعالى الأول ، وهو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى ، ثم رجع محمد رحمه الله تعالى ، وقال : لا يقع شيء ، وكذلك لو قال : أنت طالق ثلاثا ، أو لا شيء فهو على هذا الخلاف . أبو يوسف
وجه قوله الأول أن حرف " أو " ; لإثبات أحد المذكورين فيما يتخللهما ، وإنما يتخلل هنا قوله : واحدة ، أو لا شيء ، وقوله ثلاثا ، أو لا شيء فيسقط اعتبار هذا اللفظ ، ويبقى قوله : أنت طالق فيقع به تطليقة رجعية .
وجه قوله الآخر أن حرف " أو " للتخيير ; لأن موجبه إثبات أحد المذكورين فقد خير نفسه بين أن يقع عليها واحدة ، أو لا يقع عليها شيء ، وأحدهما موجود فلا يثبت بهذا الكلام شيء كما لو جمع بين امرأته وأجنبية ، وقال : هذه طالق ، أو هذه لم يقع شيء ، وهذا ; لأن الكلام إذا اقترن به ذكر العدد كان العامل هو العدد لا قوله : أنت طالق ، وقد خرج ذكر العدد من أن يكون عزيمة [ ص: 137 ] بحرف " أو " فلا يقع عليها شيء .