( قال ) : وإذا طلقت ; لأن اليوم [ ص: 114 ] يستعمل بمعنى الوقت قال الله تعالى : { قال : يوم أدخل دار فلان فامرأته طالق ولا نية له فدخلها ليلا أو نهارا ومن يولهم يومئذ دبره } ، ومن فر من الزحف ليلا أو نهارا ، يلحقه هذا الوعيد ، والرجل يقول : أنتظر يوم فلان أي وقت إقباله ، أو إدباره .
فإذا قرن بما لا يختص بأحد الوقتين ولا يكون ممتدا ، كان بمعنى الوقت كالطلاق ، وإذا قرن بما يختص بأحد الوقتين كالصوم ، كان بمعنى بياض النهار ، وكذلك إذا قرن بما يكون ممتدا كقوله لامرأته : أمرك بيدك يوم يقدم فلان على ما نبينه إن شاء الله تعالى وإذا قال في الطلاق : نويت النهار دون الليل فهو مصدق في القضاء ; لأنه نوى حقيقة كلامه ، وهي حقيقة مستعملة فيجب تصديقه في ذلك ، وإن قال : ليلة أدخلها فأنت طالق فدخل نهارا ، لم تطلق ; لأن الليل اسم خاص لسواد الليل وهو ضد النهار ، ولا يصح أن ينوي بالشيء ضده ، وإن ، فإن نوى فيه شيئا ، فهو على ما نوى من الأجل ; لأن الدنيا كلها قريب ، فالمنوي من محتملات لفظه . قال : أنت طالق إلى حين أو زمان أو إلى قريب
وإن لم يكن له نية ففي الحين والزمان هي إلى ستة أشهر ، وفي القريب إلى مضي ما دون الشهر حتى إذا مضى من وقت يمينه شهر إلا يوما طلقت ; لأن القريب عاجل والشهر فما فوقه آجل ، وما دون الشهر عاجل حتى إذا حلف ليقضين حقه عاجلا فقضاه فيما دون الشهر بر في يمينه ، والعاجل ما يكون قريبا ولو . قال : أنت طالق إلى شهر
فإن نوى وقوع الطلاق عليها في الحال ، طلقت ولغي قوله إلى شهر ; لأن الواقع من الطلاق لا يحتمل الأجل ، وإن لم ينو ذلك ، لم تطلق إلا بعد مضي شهر عندنا ، وقال رحمه الله تعالى : تطلق في الحال وهو رواية عن زفر رحمه الله تعالى ; لأن قوله إلى شهر ; لبيان الأجل ، والأجل في الشيء لا ينفي ثبوت أصله بل لا يكون إلا بعد أصله كالأجل في الدين لا يكون إلا بعد وجوب الدين ، فكذلك ذكر الأجل هنا فيما أوقعه لا ينفي الوقوع في الحال ، ولكن يلغو الأجل ; لأن الواقع من الطلاق لا يحتمل ذلك وأصحابنا رحمهم الله تعالى يقولون : الواقع لا يحتمل الأجل ، ولكن الإيقاع يحتمل ذلك ; لأن عمله في التأخير ، والإيقاع يحتمل التأخير . أبي يوسف
ولو جعلنا حرف " إلى " داخلا على أصل الإيقاع كان عاملا في تأخير الوقوع ولو جعلناه داخلا على الحكم ، كان لغوا ، وكلام العاقل محمول على الصحة مهما أمكن تصحيحه لا يجوز إلغاؤه فجعلناه داخلا على أصل الإيقاع ، وقلنا بتأخير الوقوع إلى ما بعد الشهر كأنه قال : أنت طالق بعد مضي شهر ، وإن قال : أنت طالق غدا ، تطلق كما طلع الفجر من الغد لوجود الوقت المضاف إليه [ ص: 115 ] الطلاق ، وإن قال : عنيت به آخر النهار لم يدن به في القضاء ، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى ; لأنه نوى التخصيص في لفظ العموم فإنه وصفها بالطلاق في جميع الغد ، وإنما يكون ذلك إذا وقعت في أول جزء منه ، فإذا نوى الوقوع في آخر جزء من الغد ، فنيته التخصيص في العموم صحيحة فيما بينه وبين الله تعالى كما لو قال : لا آكل الطعام ، ونوى طعاما دون طعام ، وإن طلقت كما طلع الفجر أيضا ، فإن قال : عنيت به آخر النهار ، صدق في القضاء عند قال : أنت طالق في غد رحمه الله تعالى ، ولم يصدق عندهما ، ذكر الخلاف في الجامع الصغير فهما سويا بين قوله غد وبين قوله في غد ; لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد ، فإذا عنى جزءا خاصا منه ، كان هذا كنية التخصيص في لفظ العموم . أبي حنيفة
رحمه الله تعالى يفرق بينهما فيقول : حرف " في " للظرف ، والظرف قد يشغل جميع المظروف ، وقد يشغل جزءا منه ; لأنه إذا قيل : في الجوالق حنطة ، لا يفهم منه أن يكون مملوءا من الحنطة . وأبو حنيفة
فإذا ذكر بين الوصف والوقت حرف الظرف ; كان كلامه محتملا بين أن تكون موصوفة بالطلاق في جميع الغد ، أو في جزء منه ، والنية في الكلام المحتمل صحيحة في القضاء .
والوقت إنما يكون ظرفا للطلاق على أن يكون واقعا فيه لا أن يكون شاغلا له ، والوقوع يكون في جزء من الوقت ، فكان هذا أقرب إلى حقيقة معنى الظرف ، وإذا قال : غدا ، فلم يدخل بين الوصف والوقت حرف الظرف ، فكان حقيقته الوصف لها بالطلاق في جميع الغد فلهذا لا تعمل نيته في التخصيص في القضاء ، ولو ، فهي طالق حين تغيب الشمس من آخر يوم من شعبان ; لأنه كما رأى الهلال فقد وجد جزء من رمضان ، وذلك يكفي للوقوع ، وإن قال : نويت آخر رمضان ، فهو على الخلاف الذي بينا ، وإن قال : أنت طالق في رمضان ولا نية له فهي طالق اليوم ; لأنه ذكر وقتين غير معطوف أحدهما على الآخر ، وفي مثله الوقوع في أول الوقتين ذكرا ، وهو اليوم ، ولو قال : غدا اليوم ، طلقت غدا ، وهذا ; لأن قوله : أنت طالق اليوم تنجيز وقوله : غدا إضافة إلى وقت منتظر ، والمنجز لا يحتمل الإضافة ; فكان قوله غدا لغوا ، وإذا قال : أولا غدا ، كان هذا إضافة الطلاق إلى وقت منتظر ، فلو نجز بذكره اليوم لم يبق مضافا ، وقوله : اليوم ليس بناسخ لحكم أول كلامه ; فكان لغوا ، وإن قال : اليوم وغدا ; طلقت للحال واحدة لا تطلق غيرها ; لأن العطف للاشتراك فقد وصفها بالطلاق في الوقتين ، وهي بالتطليقة الواحدة تتصف بالطلاق في الوقتين جميعا . قال : أنت طالق اليوم غدا
وإن قال : غدا واليوم تطلق واحدة اليوم عندنا ، والأخرى غدا ; لأنه عطف [ ص: 116 ] الجملة الناقصة على الجملة الكاملة فالخبر المذكور في الجملة الكاملة يصير معادا في الجملة الناقصة فإن العطف للاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه في الخبر ، فكأنه قال : وأنت طالق اليوم .
وعن رحمه الله تعالى أنها لا تطلق إلا واحدة ; لأن صيغة كلامه وصف وهي بالتطليقة الواحدة تتصف بأنها طالق في الوقتين جميعا ، وإن زفر ; طلقت للحال ، وكان قوله غدا حشوا لما قلنا ، فإن قال : عنيت تلك الساعة من الغد ، لم يصدق في القضاء ; لأن ظاهر كلامه تنجيز ، وهو يريد بنيته صرف الكلام عن ظاهره فلا يدين في القضاء ، وهو يدين فيما بينه وبين الله تعالى ; لاحتمال كلامه المنوي ، وإن كان خلاف الظاهر والله تعالى مطلع على ضميره . قال : أنت طالق الساعة غدا
وإن فهي طالق حين يطلع الفجر ; لأن قوله إذا جاء غد تعليق بالشرط ، وبذكر الشرط موصولا بكلامه يخرج كلامه من أن يكون تنجيزا ، كما لو قال : أنت طالق اليوم إذا جاء غد ، لم تطلق قبل الكلام ويتبين بذكر الشرط أن قوله : اليوم لبيان وقت التعليق لا لبيان وقت الوقوع بخلاف قوله : اليوم غدا فإن هذا ليس بذكر الشرط فبقي قوله : اليوم بيانا لوقت الوقوع ، وإن قال : أنت طالق اليوم إذا كلمت فلانا ، أو إن كلمت فلانا ، كانت طالقا أول ليلة من رمضان ; لأنه أضاف الطلاق إلى وقتين فيقع عند أول الوقتين ذكرا . قال : أنت طالق رمضان وشوال
وإن قال : أنت طالق في رمضان ، فهو على أول رمضان يجيء ، هو الظاهر المعلوم بالعادة من كلامه ، كما لو ذكر الأجل في اليمين إلى رمضان ، أو أجر داره إلى رمضان فإن قال : عنيت الثاني لم يصدق في القضاء ; لأنه خلاف الظاهر ، ولأنه في معنى تخصيص العموم ; لأن موجب كلامه أن تكون موصوفة بالطلاق في كل رمضان يجيء بعد يمينه ، فإذا عين البعض دون البعض ، كان هذا تخصيصا للعموم ، وتخصيص العموم بالنية صحيح فيما بينه وبين الله تعالى دون القضاء ، وكذلك قوله : أنت طالق يوم السبت فهو على أول سبت فإن قال : عنيت الثاني ، لم يصدق في القضاء ، وإن قال : طالق بمكة أو في مكة طلقت في الحال ; لأنه وصفها بالطلاق في مكان موجود ، والطلاق لا يختص بمكان دون مكان ، ولكن إذا وقع عليها في مكان تتصف به في الأمكنة كلها ، فإن قال : عنيت به إذا أتيت مكة ، لم يصدق في القضاء ، ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى ; لأنه ذكر المكان وعبر به عن الفعل الموجود فيه ، وذلك نوع من المجاز مخالف للحقيقة والظاهر فلا يدين في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى .
وكذلك قوله : أنت طالق في ثوب كذا وعليها غيره طلقت [ ص: 117 ] لأن وصفه إياها بالطلاق لا يختص بثوب دون ثوب ، فإن قال : عنيت به إذا لبست ذلك الثوب دين فيما بينه وبين الله تعالى ; لأنه جعل ذكر الثوب كناية عن فعل اللبس فيه ، وهو نوع من المجاز ، وكذلك قوله : في الدار أو في البيت أو في الظل أو في الشمس ، وإن قال : في ذهابك إلى مكة أو في دخول الدار أو في لبسك ثوب كذا لم تطلق حتى تفعل ذلك ; لأن حرف " في " للظرف ، والفعل لا يصلح ظرفا للطلاق على أن يكون شاغلا له فيحمل على معنى الشرط ; لأن المظروف يسبق الظرف كما أن الشرط يسبق الجزاء ويجعل حرف " في " بمعنى مع قال الله تعالى { : فادخلي في عبادي } أي مع عبادي ويقال : دخل الأمير البلدة في جنده أي معهم .
ولو لم تطلق حتى تدخل فهذا مثله بخلاف قوله : في الدار ; لأنه لو قال : مع الدار طلقت ; لأنه قرن الطلاق بما هو موجود ، وإن قال : أنت طالق مع دخولك الدار طلقت للحال : لأن قوله : وأنت تصلين ابتداء فإن قال : عنيت إذا صليت لم يصدق في القضاء ; لأن الشرط لا يعطف على الجزاء ، ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لأن هذا اللفظ يذكر بمعنى الحال تقول : دخلت الدار على فلان ، وهو يفعل كذا أي في تلك الحالة فيكون معنى هذا أنت طالق في حال اشتغالك بالصلاة فيدين فيما بينه وبين الله تعالى ; لاحتمال لفظه ما نوى ، وكذلك لو قال : أنت طالق مصلية في القضاء تطلق في الحال ، وإن قال : عنيت إذا صليت دين فيما بينه وبين الله تعالى بمعنى الحال . قال : أنت طالق وأنت تصلين
وأهل النحو يقولون إن قال : مصلية بالرفع لا يدين فيما بينه وبين الله تعالى ، وإن قال : مصلية بالنصب حينئذ يدين في القضاء أيضا وهو نصب على الحال ، وهذا ظاهر عند أهل النحو وهو نصب على الحال ، وعند الفقهاء يدين فيما بينه وبين الله تعالى ، وإن لم تطلق حتى يكون منها ذلك الفعل إما ; لأن حرف " في " بمعنى مع أو ; لأن المرض والوجع لما لم يصلح ظرفا حمل على معنى الشرط مجازا لتصحيح كلام العاقل . قال : أنت طالق في مرضك أو في وجعك
وإن لم تطلق ; لأنه أضاف الطلاق إلى وقت منتظر وهو أول شهر يتصل بآخره قدوم فلان فيراعى وجود هذا الوقت بعد اليمين ولم يوجد ، وكذلك لو قال : أنت طالق قبل قدوم فلان بشهر فقدم فلان قبل تمام الشهر ، لم تطلق بخلاف ما لو قال : أنت طالق قبل موت فلان بشهر فمات فلان قبل تمام الشهر تطلق في الحال ; لأنه أضاف الطلاق إلى وقت قد تيقن مضيه فيكون ذلك تنجيزا منه كقوله : أنت طالق أمس . قال لها في النصف من شعبان : أنت طالق قبل رمضان بشهر
فأما إذا قدم فلان [ ص: 118 ] أو مات لتمام الشهر فعلى قول رحمه الله تعالى في الفصلين جميعا يقع الطلاق من أول الشهر حتى تعتبر العدة من ذلك الوقت ، ولو كان وطئها في الشهر صار مراجعا في الطلاق الرجعي ، وفي البائن يلزمه مهر بالوطء ، وعند زفر أبي يوسف رحمهما الله تعالى يقع الطلاق مقصورا على حالة القدوم والموت حتى تعتبر العدة في الحال ، ولا يصير مراجعا بالوطء في الشهر ، ولا يلزمه به مهر ، وقال ومحمد رحمه الله تعالى : في القدوم الجواب كما قالا ، وفي الموت الجواب كما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى . زفر
وجه قول رحمه الله تعالى أن وقوع الطلاق بإيقاعه إنما يقع في الوقت الذي أوقعه ، وإنما أوقعه في أول شهر يتصل بآخره قدوم فلان أو موته فيقع في ذلك الوقت ، وقد وجد ذلك الوقت بعد اليمين ولكن لم يكن معلوما لنا ما لم يوجد القدوم والموت ، فإذا صار معلوما لنا ، تبين أنه كان واقعا كما قال لها : إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم لا يحكم بوقوع الطلاق حتى يستمر بها ثلاثة أيام ثم يتبين أنه كان واقعا عند رؤية الدم ، وكذلك إذا زفر لا يحكم بالوقوع حتى تلد ، فإذا ولدت غلاما تبين أن الطلاق كان واقعا . قال : إن كان في بطنك غلام ; فأنت طالق
والدليل عليه أنه لو أوقع عند مضي شهر بعد القدوم أو الموت لا يقع إلا في ذلك الوقت ، فكذلك إذا أوقع قبله بشهر ، ولو لم تطلق . قال لأجنبية : أنت طالق قبل أن أتزوجك بشهر ثم تزوجها بعد شهر
ولو انتصب التزوج شرطا وكان أوان الوقوع بعده لطلقت وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا : وقوع الطلاق توقف بكلامه على وجود القدوم والموت ، وإنما يتوقف على وجود الشرط فعرفنا أنه شرط معنى ، والجزاء يتأخر عن الشرط ثم هذا في القدوم واضح ; لأنه على خطر الوجود ، وفي الشرط معنى الخطر والموت . ومحمد
وإن كان كائنا لا محالة ولكن مضى الشهر بعد كلامه قبل الموت لم يكن كائنا عند يمينه لا محالة ولهذا قال : لو مات قبل تمام الشهر ، لم تطلق ولأن الموت قد يتقدم وقد يتأخر ; فكل شهر يمضي بعد يمينه لا يعلم أنه الوقت المضاف إليه الطلاق ما لم يتصل الموت بآخره ; لجواز أن يتأخر عنه كما في القدوم لا يعلم ذلك ; لجواز أن لا يقدم أصلا فكان هذا في معنى الشرط أيضا بخلاف قوله : أنت طالق قبل أن أتزوجك بشهر فإن الإضافة هنا لغو أصلا ; لأنه غير مالك للطلاق في الوقت الذي أضاف إليه ، واعتبار معنى الشرط بعد صحة الإضافة .
وفي مسألة الحيض الشرط يوجد برؤية قطرة من الدم ، ولكن لا يحكم بالطلاق ; لجواز أن ينقطع قبل تمام الثلاث فلم يكن وقوع الطلاق هناك [ ص: 119 ] موقوفا على وجود أمر منتظر ، وكذلك في مسألة الحبل كلامه تنجيز للطلاق ; لأن التعليق بما هو موجود يكون تنجيزا فلم يكن الوقوع موقوفا على أمر منتظر ، ولكنا لا نحكم به قبل الولادة ; لعدم علمنا به فلم يكن في معنى الشرط .
والفرق رحمه الله تعالى ما أشار إليه في الكتاب فقال : إن موت فلان حق كائن ، وقدومه لا يدري أيكون أو لا يكون ، وتقريره من وجهين : ( أحدهما ) أن الشيء إنما يتصف بكونه شرطا بذكر حرف الشرط فيه ، أو وجود معنى الشرط ولم يذكر حرف الشرط في الفصلين ولكن وجد معنى الشرط في مسألة القدوم ; لأن وجوده على خطر وهو مما يصح الأمر به والنهي عنه وهذا معنى الشرط فإن الحالف يقصد بيمينه منع الشرط . لأبي حنيفة
فإذا توقف وقوع الطلاق على وجوده وفيه معنى الشرط ، انتصب شرطا ، فأما الموت فلا خطر في وجوده بل هو كائن لا محالة ، ولا يصح الأمر به والنهي عنه فلم يكن قصده بهذا الكلام منع الموت ، وإذا لم يكن فيه معنى الشرط ، كان معرفا للوقت المضاف إليه فإنما يقع الطلاق من أول ذلك الوقت كما في قوله : أنت طالق قبل رمضان بشهر يقع الطلاق في أول شعبان ، إلا أن هناك الوقت يصير معلوما قبل دخول رمضان ، وهنا لا يصير معلوما ما لم يمت ، فإذا صار معلوما لنا ، تبين أن الطلاق كان واقعا من أوله .
( والثاني ) أنه أوقع الطلاق في أول شهر يتصل بآخره قدوم فلان أو موته ، وفي مسألة القدوم هذا الاتصال لا يقع أصلا إلا بعد القدوم ; لجواز أن يكون لا يقدم أصلا ، وبدون هذا الاتصال لا يقع الطلاق أصلا ، أما في مسألة الموت ، هذا الاتصال ثابت قبل الموت ; لأن الموت كائن فيعلم يقينا أن في الشهور التي تأتي شهرا موصوفا بهذه الصفة ، ولكن لا يدرى أي شهر ذاك فلا يحكم بالطلاق ما لم يصر معلوما لنا ، فإذا صار معلوما ، تبين أنه كان واقعا من أول ذلك الوقت ، يقرره أن في مسألة الموت الوقت المضاف إليه يصير معلوما قبل حقيقة الموت ; لأنه لما أشرف على الهلاك صار الوقت المضاف إليه معلوما فلهذا لا يتأخر الطلاق عن الموت .
وفي مسألة القدوم لا يصير الوقت معلوما ما لم يوجد حقيقة القدوم ; لجواز أن لا يقدم فلهذا تأخر الطلاق عنه ، وإن لم تطلق ; لأنه لم يوجد الوقت المضاف إليه بعد اليمين ، فإن ماتت بعد تمام الشهر ، فعند قال : أنت طالق ثلاثا قبل موتك بشهر فماتت قبل مضي الشهر أبي يوسف رحمهما الله تعالى لا يقع الطلاق ; لأنه لو وقع وقع بعد موتها ، والطلاق لا يقع عليها بعد الموت . ومحمد
وعند رحمه الله تعالى يقع من [ ص: 120 ] أول الشهر فلا ميراث له منها ، وإن كان جامعها في الشهر ، فعليه مهر آخر لها ; لأنه تبين أنه جامعها بعد وقوع التطليقات الثلاث عليها ، وكذلك لو قتلت أو غرقت فهذا موت ، وإن كان بسبب مخصوص ، وكذلك لو أبي حنيفة عندهما لا تطلق ; لأنه لو وقع وقع بعد موته . قال : أنت طالق ثلاثا قبل موتي بشهر ثم مات لتمام الشهر
وعند رحمه الله تعالى يتبين وقوع الطلاق من أول الشهر حتى إذا كان صحيحا في ذلك الوقت فلا ميراث لها منه وعليها العدة بثلاث حيض ، وإن أبي حنيفة فهي طالق حين ينسلخ ذو القعدة ; لعلمنا بوجود الوقت المضاف إليه الطلاق ، وإن قال : أنت طالق قبل الأضحى بتسعة أيام لم تطلق ; لأن الوقت المضاف إليه بعد يمينه لم يوجد : فإن مات أحدهما بعد تمام الشهر طلقت عند قال : أنت طالق قبل موت فلان وفلان بشهر فمات أحدهما قبل تمام الشهر استحسانا مستندا إلى أول الشهر ، وعندهما طلقت في الحال بخلاف لو أبي حنيفة لم تطلق حتى يقدم الآخر ، وبهذا يتضح فرق قال لها : أنت طالق قبل قدوم فلان وفلان بشهر فقدم أحدهما بعد تمام الشهر رحمه الله تعالى أن القدوم ينتصب شرطا ، والموت لا ينتصب ، ووجه الفرق أنه أوقع الطلاق في وقت موصوف بأنه قبل قدومهما بشهر وذلك لا يصير معلوما بقدوم أحدهما ; لجواز أن لا يقدم الآخر أصلا . أبي حنيفة
فأما في الموت يصير ذلك الوقت معلوما بموت أحدهما ; لأن موت الآخر كائن لا محالة ، وقد طعن بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى في هذا وقالوا : ينبغي أن لا يقع الطلاق بموت أحدهما فإن الوقت إنما يصير موصوفا بأنه قبل موتهما بشهر إذا ماتا معا ، فأما إذا مات أحدهما ، وبقي الآخر زمانا ، فأول هذا الشهر موصوف بأنه قبل موت أحدهما بشهر ، وقبل الآخر بسنة ، ولكنا نقول : موتهما معا نادر ، والظاهر أن المتكلم لا يقصد ذلك .
وإذا مات أحدهما بعد تمام الشهر ، فأول هذا الشهر موصوف بأنه قبل موتهما بشهر في عرف اللسان كما يقال : رمضان قبل الفطر والأضحى بشهر ، وإن كان قبل الأضحى بثلاثة أشهر وأكثر