كتاب الخنثى
( قال رضي الله عنه ) ذكر عن عن أبي يوسف عن الكلبي أبي صالح عن رضي الله عنه { ابن عباس فقال النبي صلى الله عليه وسلم من حيث يبول مولود ولد في قوم له ما للمرأة وما للرجل كيف يرث } وهكذا روي عن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن رضي الله عنه وهكذا نقل عن علي وعن جابر بن زيد وعن قتادة رضي الله عنه أنه يرث من حيث يبول ، وهذا حكم كان عليه سعيد بن المسيب العرب في الجاهلية على ما يحكى أن قاضيا فيهم رفعت إليه هذه الحادثة فجعل يقول هو رجل وامرأة فاستبعد قومه ذلك فتحير ودخل بيته في الاستراحة فجعل يتقلب على فراشه ولا يأخذه النوم لتحيره في هذه الحالة وكانت له بنية فغمزت رجليه فسألته عن تفكره فأخبرها بذلك وقالت دع الحال وابتغ المبال فخرج إلى قومه وحكم بذلك فاستحسنوا ذلك منه فعرفنا أن حكمه كان في الجاهلية قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيجيء من المعنى ما يدل عليه فإن ما يقع به الفصل بين الذكر والأنثى عند الولادة الآلة ، وذلك في الآدمي وفي سائر الحيوانات ، وعند انفصال الولد من الأم منفعة تلك الآلة خروج البول منها وما سوى ذلك من المنافع يحدث بعد ذلك فعرفنا أن المنفعة الأصلية في الآلة أنها المبال ، فإذا كان يبول من مبال الرجل عرفنا أن آلة الفصل في حقه هذا وأن الآخر زيادة خرق في البدن ، فإذا كان يبول من مبال النساء عرفنا أن الآلة هذا وأن هذا بمنزلة مبالين في البدن ، فإن كان يبول منهما جميعا فالحكم لأسبقهما خروجا للبول منه ; لأن الترجيح [ ص: 104 ] بالسبق عند المعارضة ، والمساواة أصل في الشرع ، ولأنه كما خرج البول من أحدهما فقد حكم باعتبار أنه على تلك الصفة ( ألا ترى ) أنه لو لم يخرج من المبال الآخر بعد ذلك كان ما خرج علامة تمام الفصل وبعد ما حكم له بأحد الوصفين لا يتغير ذلك بخروج ذلك البول من الآلة الأخرى فهو بمنزلة رجل أقام بينة على نكاح امرأة وقضى له بها ثم أقام الآخر البينة لا يلتفت للبينة الثانية وكذلك لو ادعى نسب مولود وأقام البينة وقضى له به ثم ادعاه آخر وأقام البينة لا يلتفت إلى ذلك . وإن كان يبول منهما جميعا معا قال رحمه الله لا علم لي بذلك وقال أبو حنيفة أبو يوسف رحمهما الله يورث بأكثرهما بولا ; لأن الترجيح عند المعارضة بزيادة القوة ، وذلك يكون بالكثرة كما يكون بالسبق إذ لا مزاحمة بين القليل والكثير كما لا مزاحمة بين اللاحق والسابق فالظاهر أن الذي يخرج منه البول أكثر هو المبال فالحكم للمبال ، ومحمد أبى ذلك لوجهين : أحدهما أن كثرة البول تدل على سعة المخرج ولا معتبر لذلك فمخرج بول النساء أوسع من مخرج بول الرجال ، والثاني أن الكثرة والقلة تظهر في البول لا في المبال ، والآلة الفصل المبال دون البول ، وباعتبار السبق يأخذ السابق اسم المبال قبل أن يأخذ الآخر ذلك الاسم ، وأما إذا خرج منهما جميعا فقد أخذا اسم المبال في وقت واحد على صفة واحدة ; لأن هذا الاسم لا يختلف بكثرة ما يخرج منه البول وقلته ثم إن وأبو حنيفة رحمه الله استقبح الترجيح بالكثرة على ما يحكى عنه أن أبا حنيفة رحمه الله لما قال بين يديه يورث من أكثرهما بولا قال يا أبا يوسف وهل رأيت قاضيا يكيل البول بالأواني ؟ ، فقد استبعد ذلك لما فيه من القبح وتوقف في الجواب ; لأنه لا طريق للتمييز بالرجوع إلى المعقول ولم يجد فيه نصا فتوقف وقال : لا أدري ، وهذا من علامة فقه الرجل وورعه أن لا يخبط في الجواب على ما حكي أن أبا يوسف رضي الله عنه سئل عن مسألة فقال لا أدري ثم قال بخ بخ ، ابن عمر سئل عما لا يدري فقال لا أدري وكذلك لابن عمر أبو يوسف قالا إذا استويا في المقدار لا علم لنا بذلك ولم ينقل عن أحد منهم أنه علم ذلك أو وقف فيه على دليل ليكون قول ومحمد وأصحابه لا علم لنا به بقضايا فيهم والله أعلم . أبي حنيفة
وهذا الذي هو مشكل لا يخلو إذا بلغ هذه المعالم وإنما لا يبقى الإشكال فيه بعد البلوغ فلا بد أن يزول الإشكال بظهور علامة فيه فإنه إذا جامع بذكره أو خرجت له لحية أو احتلم كما يحتلم الرجال فهو رجل وقوله في ذلك مقبول ; لأنه أمر في باطنه لا يعلمه غيره ، وقول الإنسان شرعا مقبول فيما يخبر عما في باطنه مما لا يعلمه غيره ، وإن [ ص: 105 ] كان له ثديان مثل ثديي المرأة أو رأى حيضا كما ترى النساء أو كان يجامع ؟ كالمرأة أو ظهر به حبل أو نزل في ثدييه لبن فهو امرأة ; لأن هذه علامات الفصل للبلوغ ولا بد أن يظهر عليه بعضها عند بلوغه ; فإنه لا يخلو إذا بلغ عن هذه المعالم . قلنا لا يبقى الإشكال فيه بعد البلوغ وإنما يكون ذلك في صغره إذا مات قبل أن يبلغ وقد بينا اختلاف العلماء في ميراثه قبل أن يستبين أمره فيما سبق .