ومن طريق ثنا سعيد بن منصور أخبرنا هشيم عن سيار الشعبي : أنه كان يقول : في امرأة المفقود : إن جاء الأول فهي امرأته ، ولا خيار له - قال هشيم : وهو القول - قال : وأرنا هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد الشعبي أنه قال في ، يفرق بينها وبين زوجها الآخر ، فإن مات زوجها الأول فإنها تعتد من هذا الآخر بقية حملها ; فإذا وضعت اعتدت من الأول أربعة أشهر وعشرا وورثته . امرأة المفقود إذا تزوجت فحملت من زوجها الآخر ، ثم بلغها أن زوجها الأول حي
ومن طريق عن وكيع عن سفيان الثوري المغيرة بن مقسم عن في امرأة المفقود ، قال : هي مبتلاة فلتصبر . إبراهيم النخعي
ومن طريق نا سعيد بن منصور جرير عن مغيرة عن مثل قول النخعي في امرأة المفقود : لا تتزوج حتى يستبين أمره . علي
ومن طريق : أنه سمع شعبة حماد بن أبي سليمان يقول : قال في امرأة المفقود تخير - وقال عمر : هي امرأته - قال علي حماد : أحب إلي من وعمر ، وقول علي أعجب إلي من قول علي . عمر
وممن قال : لا تؤجل امرأة المفقود ، ولا يفرق بينه وبينها القاضي - : ، [ ص: 323 ] ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وعثمان البتي ، وسفيان الثوري ، والحسن بن حي ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم . وأبو سليمان
وقال ، الشافعي : من حكم بتأجيلها ثم فسخ النكاح منه وأمرها أن تعتد ، ثم تزوجت ; فإنه يفسخ كل ذلك ، وترد إلى الأول كما كانت . وأبو سليمان
وقال الأوزاعي - في القوم يلقون العدو فيفقدون ، فلا يدرى أقتلوا أم أسروا : فإن نساءهم يعتدون عدة المتوفى عنها زوجها ، ثم يتزوجن - كتب بذلك - وعلى هذا مضى أمر الناس . عمر بن الخطاب
وقال في امرأة المفقود : أنها تؤجل ، فإن جاء زوجها المفقود ووجدها تزوجت ، فهو أولى بها وترد إليه . الليث بن سعد
وقال : تنتظر امرأة المفقود أربع سنين من حين ترفع أمرها إليه ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا ، فإن كان الزوج عبدا أجلت عامين ثم تعتد - كما ذكرنا - فإن جاء زوجها قبل أن تتزوج فهي امرأته كما كانت ، وإن جاء - وقد تزوجت - فلا سبيل له إليها - دخل الثاني بها أو لم يدخل - . مالك
ثم رجع فقال : هو أولى بها ما لم يدخل بها الثاني ، ولا خيار للأول - قال : وإنما هذا في المفقود في غير الحرب . مالك
فأما الذي فقد في الحرب فلم يعرف أميت هو أم حي ؟ فلا تؤجل امرأته ، ولا يفرق بينه وبينها - قال : ولا يقسم مال المفقود ، ولا تعتق أمهات أولاده ، حتى يأتي من الزمان ما يعرف أنه لا يعيش إليه .
وقال أحمد وإسحاق : تتربص امرأة المفقود أربعة أشهر وعشرا بعد أربعة أعوام ، ثم تتزوج - قالا جميعا : والمفقود الذي تؤجل امرأته - : هو المفقود في الحرب أو في البحر ، أو يفقد من منزله .
وأما من غاب عن أهله فلم يدر ما فعل فلا تؤجل امرأته .
قال : اختلف السلف في اثني عشر موضعا من هذه القصة وهي - : من [ ص: 324 ] المفقود ؟ - والتأجيل - ومن متى يبدأ التأجيل ؟ - وكم التأجيل - وهل بعد التأجيل طلاق الولي ؟ - وهل بعد ذلك عدة الوفاة ؟ - وحكم تخيير الزوج إن قدم - وفيما ذا تخير ؟ - وعلى من غرم الصداق إن اختاره ؟ - وأي صداق يكون ؟ - وهل يقسم ميراثه ؟ - وهل تعتق أمهات أولاده ؟ . أبو محمد
فأما : فإن كل من روي عنه في هذا شيء لم يفرق بين أحوال الفقد ، وهم - : من المفقود ، عمر ، وعثمان ، وعلي وابن مسعود ، وابن عباس . وابن عمر
ومن التابعين - : الحسن ، ، وخلاس بن عمرو ، وإبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة ، ، وعطاء والزهري ، ومكحول والشعبي ، وعمر بن عبد العزيز ، وسعيد بن المسيب ، وقتادة ، وأبو الزناد ، وربيعة وحماد بن أبي سليمان ، ، وابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وعثمان البتي ، وسفيان الثوري وهشيم ، ، والحسن بن حي والأوزاعي ، ، والليث ، وأبو حنيفة ، وداود ، وأصحابهم - حاشا : والشافعي ، مالكا ، وأحمد وإسحاق - : فإن قال : ليس هذا الحكم في المفقود في الحرب - ولا نعلم هذا عن أحد قبل مالكا - . مالك
وقال أحمد وإسحاق ، ليس هذا الحكم فيمن خرج عن أهله ففقد .
وأما : فإن كل من ذكرنا روى التأجيل - حاشا روايات عن التأجيل ، علي ، ورواية عن وابن مسعود الشعبي ، ورواية عن ، النخعي وحماد بن أبي سليمان ، ، وابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وعثمان البتي وسفيان الثوري ، والحسن بن حي ، وأبي حنيفة ، والشافعي وأصحابهم . وداود
وأما - في قول من قال به - : فإن أكثر من ذكرنا يرى مبدأه من حين يرفع أمرها إلى الإمام - حاشا رواية ضعيفة عن متى يبدأ التأجيل : أنه أمرها بإتمام أربع سنين من حين غاب . عمر
وقال بعضهم : تربص أربع سنين - ولم يحدوا من حين تبدأ ؟ وأما : فإن من ذكرنا يراه أربع سنين ، إلا كم التأجيل سعيد بن المسيب - قال ومالكا : أرى أن تؤجل امرأة من فقد في الصف سنة ، ومن فقد في غير الصف أربع سنين - . سعيد
[ ص: 325 ] وقال : إن كان عبدا أجلت له عامين - ولا يعلم هذا عن أحد قبله . مالك
وأما : فإنه صح عن طلاق الولي بعد التأجيل ، عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب والحسن ، . وعطاء
وأما : فإنه قد ذكرنا عن هل بعد ذلك عدة وفاة ، عمر ، وعثمان : تربص أربعة أعوام ، ثم تتزوج دون ذكر عدة وفاة . وعمر بن عبد العزيز
وصح عن ، عثمان ، وابن عباس ، وابن عمر ، وعلي والحسن ، وعطاء ، وأبي الزناد : أنها تعتد أيضا عدة الوفاة - وفي بعض تلك الروايات : أنها تعتد أيضا من الطلاق . وربيعة
وأما : فثابت عن تخيير الزوج إذا قدم ، عمر ، وعثمان ، ولم يرو عن صاحب رأي التأجيل خلاف ذلك ؟ وصح أيضا : عن وعلي الحسن ، ، وخلاس ، وإبراهيم ، وعطاء والحكم بن عتيبة والزهري ، ، ومكحول والشعبي .
وروينا عن كل من ذكرنا عنه تخيير الزوج : أنه يخير بين زوجته وبين الصداق ، إلا رواية عن صحيحة : أنه خيره بين زوجته وبين أن يزوجه من أخرى . عمر
واختلف بعضهم فيمن يغرم الصداق - إن اختاره الزوج - : فقال جمهور من ذكرنا : يغرمه الزوج الآخر - وقال الزهري : تغرمه المرأة .
واختلفوا أيضا : أي الصداق يقضى له به . - إن اختاره - : فقال جمهورهم : صداقه الذي كان أصدقها هو .
وقال : بل صداق الزوج الآخر . خلاس بن عمرو
واختلفوا هل تعتق أمهات أولاده ؟ - فقال : تعتق أمهات أولاده إذا أبيح لزوجته الزواج ، وإنما قضي بذلك في خلافة قتادة - رضي الله عنه - وقال بعضهم : لا يعتقن . عثمان
واختلفوا في ميراثه هل يقسم ؟ فروينا : أن في خلافة - رضي الله عنه - قسم ميراثه إذا أبيح لامرأته الزواج . [ ص: 326 ] عثمان
قال : أما المالكيون ، والحنفيون ، والشافعيون - فإنهم تناقضوا هاهنا أقبح تناقض . أبو محمد
فأما الشافعيون - فقلدوا في رواية لم تصح عنه قط في تأجيل امرأة العنين وإخراجها عن عصمته بغير قرآن ولا سنة . عمر
ثم خالفوا هاهنا ، عمر ، وعثمان ، وعليا ، وابن عباس فيما صح عنهم من تأجيل امرأة المفقود - وهذا عجب جدا ؟ وابن عمر
وكذلك فعل الحنفيون أيضا : وقد ردوا تقليد ما لم يصح عن في توريث المطلقة ثلاثا - وهذا تلاعب بالدين وبالتحريم والتحليل ، ولئن كان عمر هنالك حجة إنه هاهنا لحجة ، وإن لم يكن هاهنا حجة فما هو هنالك حجة . عمر
فإن قالوا : قد خالفه هاهنا ؟ قلنا : قد خالفه علي في أجل العنين ولا فرق ، وقد خالفه علي ، عبد الرحمن بن عوف في توريث المبتوتة في المرض - وكلا القولين موجب فسخ نكاح لم يوجب الله تعالى فسخه ، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم . وعبد الله بن الزبير
وأما المالكيون - فإنهم خالفوا الثابت عن من أنه أمر وليه بطلاقها وأنه خير الزوج - إذا أتى - بينها وبين الصداق ، وقلدوه فيما لم يصح عنه قط ، من أن تعتد بعد ذلك عدة الوفاة . عمر
فإن قالوا : قد صح ذلك عن ، علي ، وابن عباس ؟ قلنا : وقد صح عن وابن عمر تخيير الزوج - إذا جاء - بينها وبين الصداق ، فمن أين وقع لكم تقليد بعض الصحابة في بعض هذه القضية بلا دليل أصلا ، لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا من قياس ؟ ومخالفة بعضهم فيها نفسها ، وهذا تحكم في الدين بالباطل ، فلا ندري من أين وقع لهم تقليد بعض ما روي عن عمر دون سائر ما روي عنه بلا برهان أصلا ؟ قال عمر : لا حجة في أحد دون الله تعالى ورسوله - عليه الصلاة والسلام - ولا يحل تحريم فرج أباحه الله تعالى للزوج وتحليله لمن حرمه الله تعالى عليه من سائر الرجال بغير قرآن ولا سنة . علي
[ ص: 327 ] وأما الصحابة - رضي الله عنهم - فقد فازوا - وهم والله مأجورون - في كل ما قالوه قاصدين به الحق ، وإنما الشأن فيمن قال قولا في الدين لم يأت به قرآن ولا سنة .
فإذا قيل له : من أين قلته ؟ قال : لأن ، عمر قاله . وعثمان
فإذا قيل له : ففي هذه القضية نفسها لهما قول خالفتموه - : هو أصح عنهما من الذي زعمتم أنكم احتججتم بهما فيه ؟ لجوا على تقليدهم إعراضا عن الحق بلا برهان أصلا .
قال : فإذا لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز فسخ نكاح أحد بمغيبه ، ولا إيجاب عدة ممن لم يصح موته ، ولا أن يطلق أحد عن غيره - وبالله تعالى التوفيق . أبو محمد
ومن العجب قول " إن جاء الزوج قبل أن تتزوج فهو أولى بها وهي امرأته كما كانت " فيقال لمن قلده : ومن أين قلت هذا وأنت قد قطعت عصمته منها وأبحت لها أن تنكح من شاءت ؟ وكيف تردها إلى أجنبي قد أبحت لها نكاح زوج سواه من أجل تأخيرها نكاحا قد أبحته لها عادت إلى زوج قد فسخت نكاحها منه ؟ هذا مع أنه قول لا يحفظ عن أحد قبل مالك ، فاعجبوا لهذا الاختيار ؟ مالك
ثم يقال لهم : ومن أين قلتم في أحد قوليه : إنه إن جاء الزوج - وهي قد تزوجت - فلا سبيل له إليها من أجل عقد قد كان لها مباحا ، إذ رددتها إليه بكل حال ، فقولوا لنا : أي شيء أحدثه عقدها النكاح من تحريمها على زوجها ممن لم تحدثه إباحتك لها ذلك العقد ، فأجزت عقدها .
ثم قوله الثاني : من أنه إن جاء الزوج - قد تزوجت إلا أنه لم يدخل بها فهي زوجة الأول - وإن جاء بعد دخول الثاني بها فلا سبيل له عليها ؟ فقولوا لنا : هل دخل الزوج الثاني على زوجته ، أو على أجنبية ؟ فإن قالوا : على زوجته ؟ قلنا : فمن أين أبحتم فرج زوجته التي أحللتم له الدخول بها لإنسان قد فسختم نكاحه منها ، وحرمتموها عليه وعقدتم نكاحها مع غيره ؟ وإن قالوا : بل دخل على غير زوجته ؟ [ قلنا ] ومن أين استحللتم أن تبيحوا له وطء غير زوجته ؟ - : [ ص: 328 ] فلاح يقينا أنها أقوال فاسدة متخاذلة ، خطأ لا شك فيها .
وقد قال بعضهم : إنما فعلنا ذلك بما روي عن ذلك في أي كنف ؟ فقلنا : هذا تمويه آخر ، وهلا فعل عمر ذلك في أي كنف إلا إذا طلق امرأته وأعلمها بالطلاق ، ثم راجعها ولم يعلمها بالرجعة ، فمن الذي أدخل هذه القضية في تلك ؟ مع أن هذين القولين جميعا لا يحفظان عن أحد من أهل العلم أنه قاله قبل عمر ، ولا يجدونه أبدا ، فاعجبوا لفحش هذا التقليد إذ قلدوا قولا لا يعرف أحد قاله قبل مالك - : خالفوا فيه كل قول لصاحب أو تابع رأوا في تلك القصة التي أوهموا فيها أنهم يحتجون ببعض الصحابة رضي الله عنهم - وبالله تعالى التوفيق . مالك