( 6258 ) مسألة قال : ( فمتى تلاعنا وفرق الحاكم بينهما ، لم يجتمعا أبدا ) . في هذه المسألة مسألتان : ( 6259 ) المسألة الأولى : أن لا تحصل إلا بلعانهما جميعا ، وهل يعتبر الفرقة بين المتلاعنين ؟ فيه روايتان : إحداهما ، أنه معتبر فلا تحصل الفرقة حتى يفرق الحاكم بينهما . وهو ظاهر كلام تفريق الحاكم بينهما ، وقول أصحاب الرأي ; لقول الخرقي في حديثه : ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما . وهذا يقتضي أن الفرقة لم تحصل قبله . وفي حديث ابن عباس عويمر ، قال : كذبت عليها يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمسكتها . فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا يقتضي إمكان إمساكها ، وأنه وقع طلاقه ، ولو كانت الفرقة وقعت قبل ذلك ، لما وقع طلاقه ، ولا أمكنه إمساكها .
ولأن سبب هذه الفرقة يقف على الحاكم ، فالفرقة المتعلقة به لم تقع إلا بحكم الحاكم ، كفرقة العنة . والرواية الثانية ، تحصل الفرقة بمجرد لعانهما . وهي اختيار أبي بكر ، وقول ، مالك ، عنه وأبي عبيد ، وأبي ثور ، وداود ، وزفر . وروي ذلك عن وابن المنذر ; لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : المتلاعنان يفرق بينهما ، ولا يجتمعان أبدا . رواه عمر سعيد . ولأنه معنى يقتضي التحريم المؤبد ، فلم يقف على حكم الحاكم ، كالرضاع ، ولأن الفرقة لو لم تحصل إلا بتفريق الحاكم ، لساغ ترك التفريق إذا كرهاه ، كالتفريق للعيب والإعسار ، ولوجب أن الحاكم إذا لم يفرق بينهما ، أن يبقى النكاح مستمرا ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : { } . يدل على هذا ، وتفريقه بينهما ، بمعنى إعلامه لهما بحصول الفرقة ، وعلى كلتا الروايتين ، لا تحصل الفرقة قبل تمام اللعان منهما . لا سبيل لك عليها
وقال ، - رحمه الله تعالى - : تحصل الفرقة بلعان الزوج وحده ، وإن لم تلتعن المرأة ; لأنها فرقة حاصلة بالقول ، فتحصل بقول الزوج وحده ، كالطلاق . ولا نعلم أحدا وافق الشافعي على هذا القول ، وحكي عن الشافعي أنه لا [ ص: 53 ] يتعلق باللعان فرقة ; لما روي أن البتي العجلاني لما لاعن امرأته طلقها ثلاثا ، فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو وقعت الفرقة ، لما نفذ طلاقه ، وكلا القولين لا يصح ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين .
رواه ، عبد الله بن عمر ، وأخرجهما وسهل بن سعد . وقال مسلم سهل : فكانت سنة لمن كان بعدهما ، أن يفرق بين المتلاعنين . وقال : المتلاعنان يفرق بينهما ، ثم لا يجتمعان أبدا . وأما القول الآخر ، فلا يصح ; لأن الشرع إنما ورد بالتفريق بين المتلاعنين ، ولا يكونان متلاعنين بلعان أحدهما ، وإنما فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما بعد تمام اللعان منهما ، فالقول بوقوع الفرقة قبله ، تحكم يخالف مدلول السنة وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولأن لفظ اللعان لا يقتضي فرقة ; فإنه إما أيمان على زناها ، أو شهادة بذلك ، ولولا ورود الشرع بالتفريق بينهما ، لم يحصل التفريق ، وإنما ورد الشرع به بعد لعانهما ، فلا يجوز تعليقه على بعضه ، كما لم يجز تعليقه على بعض لعان الزوج ، ولأنه فسخ ثبت بأيمان مختلفين ، فلم يثبت بيمين أحدهما ، كالفسخ لتحالف المتبايعين عند الاختلاف ، ويبطل ما ذكروه بالفسخ بالعيب أو العتق ، وقول الزوج : اختاري . وأمرك بيدك . أو : وهبتك لأهلك أو لنفسك . وأشباه ذلك كثير . إذا ثبت هذا ، فإن قلنا : إن الفرقة تحصل بلعانهما . فلا تحصل إلا بعد إكمال اللعان منهما . عمر
وإن قلنا : لا تحصل إلا بتفريق الحاكم . لم يجز له أن يفرق بينهما إلا بعد كمال لعانهما ، فإن فرق قبل ذلك كان تفريقه باطلا ، وجوده كعدمه . وبهذا قال . وقال مالك : لا تقع الفرقة حتى يكمل الزوج لعانه . وقال الشافعي ، أبو حنيفة : إذا فرق بينهما بعد أن لاعن كل واحد منهما ثلاث مرات ، أخطأ السنة ، والفرقة جائزة ، وإن فرق بينهما بأقل من ثلاث ، فالفرقة باطلة ; لأن من أتى بالثلاث فقد أتى بالأكثر ، فيتعلق الحكم به . ولنا أنه تفريق قبل تمام اللعان ، فلم يصح ، كما لو فرق بينهما لأقل من ثلاث ، أو قبل لعان المرأة ، ولأنها أيمان مشروعة ، لا يجوز للحاكم الحكم قبلها بالإجماع ، فإذا حكم ، لم يصح حكمه . كأيمان المختلفين في البيع . ومحمد بن الحسن
وكما قبل الثلاث ، ولأن الشرع إنما ورد بالتفريق بعد كمال السبب فلم يجز قبله ، كسائر الأسباب ، وما ذكروه تحكم لا دليل عليه ، ولا أصل له ، ثم يبطل بما إذا شهد بالدين رجل وامرأة واحدة . أو بمن توجهت عليه اليمين إذا أتى بأكثر حروفها ، وبالمسابقة إذا قال : من سبق إلى خمس إصابات . فسبق إلى ثلاثة ، وبسائر الأسباب ، فأما إذا تم اللعان فللحاكم أن يفرق بينهما من غير استئذانهما ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين ، ولم يستأذنهما . وروى ، عن مالك ، عن نافع ، { ابن عمر } . وروى أن رجلا لاعن امرأته في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وألحق الولد بالمرأة سفيان ، عن الزهري ، عن ، قال : { سهل بن سعد } . أخرجهما شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين سعيد .
ومتى قلنا : إن الفرقة لا تحصل إلا بتفريق الحاكم . فلم يفرق بينهما ، فالنكاح باق بحاله ; لأن ما يبطل النكاح لم يوجد ، فأشبه ما لو لم يلاعن .