( 4059 ) فصل : لا يحل وإن فعل لم تسقط . قال الاحتيال لإسقاط الشفعة ، ، في رواية أحمد إسماعيل بن سعيد ، وقد سأله عن الحيلة في إبطال الشفعة ، فقال : لا يجوز شيء من الحيل في ذلك ، ولا في إبطال حق مسلم . وبهذا قال ، أبو أيوب ، وأبو خيثمة ، وابن أبي شيبة وأبو إسحاق الجوزجاني . وقال : من يخدع الله يخدعه . عبد الله بن عمر
وقال : أنهم ليخادعون الله كما يخادعون صبيا ، لو كانوا يأتون الأمر على وجهه ، كان أسهل علي . أيوب السختياني
[ ص: 204 ] ومعنى الحيلة أن يظهروا في البيع شيئا لا يؤخذ بالشفعة معه ، ويتواطئون في الباطن على خلافه ، مثل أن يشتري شقصا يساوي عشرة دنانير بألف درهم ، ثم يقضيه عنها عشرة دنانير ، أو يشتريه بمائة دينار ، ويقضيه عنها مائة درهم ، أو يشتري البائع من المشتري عبدا قيمته مائة بألف في ذمته ، ثم يبيعه الشقص بالألف ، أو يشتري شقصا بألف ، ثم يبرئه البائع من تسعمائة ، أو يشتري جزءا من الشقص بمائة ، ثم يهب له البائع باقيه ، أو يهب الشقص للمشتري ، ويهب المشتري له الثمن ، أو يعقد البيع بثمن مجهول المقدار ، كحفنة قراضة ، أو جوهرة معينة ، أو سلعة معينة غير موصوفة ، أو بمائة درهم ولؤلؤة ، وأشباه هذا . فهذا كله إذا وقع من غير تحيل سقطت الشفعة .
وإن تحيلا به على إسقاط الشفعة ، لم تسقط ، ويأخذ الشفيع الشقص في الصورة الأولى بعشرة دنانير أو قيمتها من الدراهم .
وفي الثانية بمائة درهم أو قيمتها ذهبا . وفي الثالثة بقيمة العبد المبيع . وفي الرابعة بالباقي بعد الإبراء ، وهو المائة المقبوضة . وفي الخامسة يأخذ الجزء المبيع من الشقص بقسطه من الثمن ، ويحتمل أن يأخذ الشقص كله بجميع الثمن ; لأنه إنما وهبه بقية الشقص عوضا عن الثمن الذي اشترى به جزءا من الشقص . وفي السادسة يأخذ بالثمن الموهوب .
وفي سائر الصور المجهول ثمنها يأخذه بمثل الثمن ، أو بقيمته إن لم يكن مثليا ، إذا كان الثمن موجودا ، وإن لم يوجد عينه ، دفع إليه قيمة الشقص ; لأن الأغلب وقوع العقد على الأشياء بقيمتها . وقال أصحاب الرأي ، ، يجوز ذلك كله ، وتسقط به الشفعة ; لأنه لم يأخذ بما وقع البيع به ، فلم يجز ، كما لو لم يكن حيلة . والشافعي
ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم { } رواه : من أدخل فرسا بين فرسين ، ولم يأمن أن يسبق ، فليس بقمار ، وإن أمن أن يسبق ، فهو قمار . أبو داود وغيره ، فجعل إدخال الفرس المحلل قمارا ، في الموضع الذي يقصد به إباحة إخراج كل واحد من المتسابقين جعلا ، مع عدم معنى المحلل فيه ، وهو كونه بحال يحتمل أن يأخذ سبقيهما ، وهذا يدل على إبطال كل حيلة لم يقصد بها إلا إباحة المحرم . مع عدم المعنى فيها .
واستدل أصحابنا بما روى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أبو هريرة لا تركبوا ما ارتكبت اليهود ، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل . } وقال النبي صلى الله عليه وسلم { اليهود ، إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه ، ثم باعوه ، وأكلوا ثمنه } . متفق عليه . : لعن الله
ولأن الله تعالى ذم المخادعين له بقوله تعالى { : يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون } . والحيلة مخادعة ، وقد مسخ الله تعالى الذين اعتدوا في السبت قردة بحيلتهم ، فإنه روي أنهم كانوا ينصبون شباكهم يوم الجمعة ، ومنهم من يحفر جبابا ، ويرسل الماء إليها يوم الجمعة ، فإذا جاءت الحيتان يوم السبت ، وقعت في الشباك والجباب ، فيدعونها إلى ليلة الأحد ، فيأخذونها ، ويقولون : ما اصطدنا يوم السبت شيئا ، فمسخهم الله تعالى بحيلهم . وقال تعالى : { فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين . } قيل : يعني به أمة محمد صلى الله عليه وسلم . أي لتتعظ بذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيجتنبوا مثل ما فعل المعتدون .
ولأن [ ص: 205 ] الحيلة خديعة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تحل الخديعة لمسلم } . ولأن الشفعة وضعت لدفع الضرر ، فلو سقطت بالتحيل ، للحق الضرر ، فلم تسقط ، كما لو أسقطها المشتري بالبيع والوقف .
وفارق ما لم يقصد به التحيل ، لأنه لا خداع فيه ، ولا قصد به إبطال حق ، والأعمال بالنيات . فإن فالقول قول المشتري مع يمينه ; لأنه أعلم بنيته وحاله . إذا ثبت هذا ، فإن الغرر في الصورتين الأوليين على المشتري ; لشرائه ما يساوي عشرة بمائة ، وما يساوي مائة درهم بمائة دينار ، وأشهد على نفسه أن عليه ألفا ، فربما طالبه بذلك ، فلزمه ، في ظاهر الحكم . وفي الثالثة الغرر على البائع ; لأنه اشترى عبدا يساوي مائة بألف . اختلفا هل وقع شيء من هذا حيلة ، أو لا ؟
وفي الرابعة على المشتري ; لأنه اشترى شقصا قيمته مائة بألف . وكذلك في الخامسة ; لأنه اشترى بعض الشقص بثمن جميعه . وفي السادسة على البادئ منهما بالهبة ; لأنه قد لا يهب له الآخر شيئا ، فإن خالف أحدهما ما تواطآ عليه ، فطالب صاحبه بما أظهراه ، لزمه ، في ظاهر الحكم ; لأنه عقد البيع مع صاحبه بذلك مختارا ، فأما فيما بينه وبين الله تعالى ، فلا يحل لمن غر صاحبه الأخذ بخلاف ما تواطآ عليه ; لأن صاحبه إنما رضي بالعقد للتواطؤ ، فمع فواته لا يتحقق الرضى به .