المسألة الثالثة : الآية دلت على حكم من ، أما من حلق رأسه عامدا بغير عذر ، فعند أقدم على شيء من محظورات الحج بعذر رضي الله عنه الشافعي الواجب عليه الدم ، وقال وأبي حنيفة مالك رضي الله عنه : حكمه حكم من فعل ذلك بعذر ، والآية حجة عليه ؛ لأن قوله : ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام ) يدل على اشتراط هذا الحكم بهذه الأعذار ، والمشروط بالشيء عدم عند عدم الشرط .
وقوله تعالى : ( فإذا أمنتم ) فاعلم أن تقديره : فإذا أمنتم من الإحصار .
وقوله : ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ) ؛ فيه مسائل :
المسألة الأولى : التلذذ ، يقال : تمتع بالشيء أي تلذذ به ، والمتاع : كل شيء يتمتع به ، وأصله من قولهم : حبل ماتع ؛ أي طويل ، وكل من طالت صحبته مع الشيء فهو متمتع به ، والمتمتع بالعمرة إلى الحج هو أن يقدم معنى التمتع مكة فيعتمر في أشهر الحج ، ثم يقيم بمكة حلالا ينشئ منها الحج ، فيحج من عامه ذلك ، وإنما سمي متمتعا لأنه يكون مستمتعا بمحظورات الإحرام فيما بين تحلله من العمرة إلى إحرامه بالحج ، والتمتع على هذا الوجه صحيح لا كراهة فيه ، وههنا نوع آخر من التمتع مكروه ، وهو الذي حذر عمر رضي الله عنه وقال : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما : متعة النساء ، ومتعة الحج . والمراد من هذه المتعة أن يجمع بين الإحرامين ، ثم يفسخ الحج إلى العمرة ويتمتع بها إلى الحج ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لأصحابه في ذلك ، ثم نسخ . عنه
روي عن أبي ذر أنه قال : ما كانت متعة الحج إلا لي خاصة ، فكان السبب فيه أنهم كانوا لا يرون ويعدونها من أفجر الفجور ، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم إبطال ذلك الاعتقاد عليهم بالغ فيه بأن نقلهم في أشهر الحج من الحج إلى العمرة ، وهذا سبب لا يشاركهم فيه غيرهم ، فلهذا المعنى كان فسخ الحج خاصا بهم . العمرة في أشهر الحج
[ ص: 131 ] المسألة الثانية : قوله تعالى : ( فمن تمتع بالعمرة ) أي : فمن يتمتع بسبب العمرة فكأنه لا يتمتع بالعمرة ، ولكنه يتمتع بمحظورات الإحرام بسبب إتيانه بالعمرة ، وهذا هو . معنى التمتع بالعمرة إلى الحج