الحجة التاسعة : أن نقول : واجبة ، فوجب أن تكون آية منها ، بيان الأول أن قراءة التسمية قبل الفاتحة يسلم أن قراءتها أفضل ، وإذا كان كذلك فالظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها ، فوجب أن يجب علينا قراءتها لقوله تعالى : ( أبا حنيفة واتبعوه ) [ الأعراف : 158 ] وإذا ثبت وجوب قراءتها ثبت أنها من السورة ؛ لأنه لا قائل بالفرق .
الحجة العاشرة : قوله عليه السلام : ، كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر أو أجذم الصلاة ، فقراءة الفاتحة فيها بدون قراءة بسم الله يوجب كون هذه الصلاة بتراء ، ولفظ الأبتر يدل على غاية النقصان والخلل ، بدليل أنه تعالى ذكره في معرض الذم للكافر الذي كان عدوا للرسول عليه السلام فقال : ( وأعظم الأعمال بعد الإيمان بالله إن شانئك هو الأبتر ) [ الكوثر : 3 ] فلزم أن يقال : تكون في غاية النقصان والخلل ، وكل من أقر بهذا الخلل والنقصان قال بفساد هذه الصلاة ، وذلك يدل على أنها من الفاتحة وأنه يجب قراءتها . الصلاة الخالية عن قراءة بسم الله الرحمن الرحيم
[ ص: 164 ] الحجة الحادية عشرة : ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما أعظم آية في كتاب الله تعالى ؟ فقال : بسم الله الرحمن الرحيم لأبي بن كعب ، فصدقه النبي عليه السلام في قوله . وجه الاستدلال أن هذا الكلام يدل على أن هذا القدر آية ، ومعلوم أنها ليست آية تامة في قوله : ( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ) بل هذا بعض آية ، فلا بد وأن يكون آية تامة في غير هذا الموضع ، وكل من قال بذلك قال : إنه آية تامة في أول سورة الفاتحة .
الحجة الثانية عشرة : إن معاوية قدم المدينة ، فصلى بالناس صلاة يجهر فيها ، ، فلما قضى صلاته ناداه المهاجرون والأنصار من كل ناحية : أنسيت ؟ أين بسم الله الرحمن الرحيم حين استفتحت القرآن ؟ فأعاد فقرأ أم القرآن ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم معاوية الصلاة وقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، وهذا الخبر يدل على إجماع الصحابة رضي الله عنهم على أنه من القرآن ومن الفاتحة ، وعلى أن الأولى الجهر بقراءتها .
الحجة الثالثة عشرة : أن سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا ، فوجب أن يجب على رسولنا صلى الله عليه وسلم ذلك ، وإذا ثبت هذا الوجوب في حق الرسول ثبت أيضا في حقنا ، وإذا ثبت الوجوب في حقنا ثبت أنه آية من سورة الفاتحة ، أما المقدمة الأولى : فالدليل عليها أن عند الشروع في أعمال الخير يبتدئون بذكر بسم الله نوحا عليه السلام لما أراد ركوب السفينة قال : ( اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها ) [ هود : 41 ] وأن سليمان لما كتب إلى بلقيس كتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فإن قالوا : أليس أن قوله تعالى : ( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ) [ النمل : 30 ] يدل على أن سليمان قدم اسم نفسه على اسم الله تعالى ؟ قلنا : معاذ الله أن يكون الأمر كذلك ، وذلك لأن الطير أتى بكتاب سليمان ووضعه على صدر بلقيس ، وكانت المرأة في بيت لا يقدر أحد على الدخول فيه لكثرة من أحاط بذلك البيت من العساكر والحفظة ، فعلمت بلقيس أن ذلك الطير هو الذي أتى بذلك الكتاب ، وكانت قد سمعت باسم سليمان ، فلما أخذت الكتاب قالت هي من عند نفسها : إنه من سليمان ، فلما فتحت الكتاب رأت التسمية مكتوبة ، فقالت : وإنه بسم الله الرحمن الرحيم . فثبت أن الأنبياء عليهم السلام كلما شرعوا في عمل من أعمال الخير ابتدءوا بذكر بسم الله الرحمن الرحيم . والمقدمة الثانية : أنه لما ثبت هذا في حق سائر الأنبياء وجب أن يجب على رسولنا ذلك ؛ لقوله تعالى : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) [ الأنعام : 90 ] وإذا ثبت ذلك في حق الرسول وجب أن يجب علينا ذلك ؛ لقوله تعالى : ( واتبعوه ) [ الأعراف : 158 ] وإذا ثبت وجوب قراءته علينا ثبت أنه آية من الفاتحة ؛ لأنه لا قائل بالفرق .
الحجة الرابعة عشرة : أنه تعالى متقدم بالوجود على وجود سائر الموجودات ؛ لأنه تعالى قديم وخالق ، وغيره محدث ومخلوق ، والقديم الخالق يجب أن يكون سابقا على المحدث المخلوق ، وإذا ثبت أنه تعالى سابق على غيره وجب بحكم المناسبة العقلية أن يكون ذكره سابقا على ذكر غيره ، وهذا السبق في الذكر لا يحصل إلا إذا كان قراءة بسم الله الرحمن الرحيم سابقة على سائر الأذكار والقراءات ، وإذا ثبت أن القول بوجوب هذا التقدم حسن في العقول وجب أن يكون معتبرا في الشرع ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : ، وإذا ثبت وجوب القراءة ثبت أيضا أنها آية من الفاتحة ؛ لأنه لا قائل بالفرق . ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن
الحجة الخامسة عشرة : أن بسم الله الرحمن الرحيم لا شك أنه من القرآن في سورة النمل ، ثم إنا نراه [ ص: 165 ] مكررا بخط القرآن ، فوجب أن يكون من القرآن ، كما أنا لما رأينا قوله تعالى : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) من سورة الرحمن ، وقوله تعالى : ( ويل يومئذ للمكذبين ) من سورة المرسلات ، مكررا في القرآن بخط واحد وصورة واحدة ، قلنا : إن الكل من القرآن .