466 - علي الجرجاني
ومنهم المتخلي من الشهوات ، والمتحلي بالخلوات ، تخلى من الجزع والهلع ، واستحلى الفزع والضرع ، علي الجرجاني ، من قدماء المتعبدين .
حدثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري ببغداد - قال : سمعت أبا حامد أحمد بن محمد بن حمدان النيسابوري ، يقول : سمعت إسماعيل بن عبد الله الشامي ، يقول : سمعت سريا السقطي ، يقول : خرجت من بغداد أريد الرباط إلى عبادان لأصوم بها رجبا وشعبان ورمضان ، فلقيت في طريقي عليا الجرجاني ، وكان من الزهاد الكبار فدنا وقت إفطاري ، وكان معي ملح مدقوق وأقراص ، فقلت : هلم رحمك الله ، فقال : ملحك مدقوق ومعك من ألوان الطعام ، لن تفلح ، ولن تدخل بستان المحبين ، فنظرت إلى مزود كان معه فيه سويق الشعير ، فيسف منها ، فقلت : ما دعاك إلى هذا ؟ قال : " إني حسبت ما بين المضغ إلى الاستفاف سبعين تسبيحة ، فما مضغت الخبز منذ أربعين سنة ، فلما دخلنا عبادان قلت : موعظة أحفظها عنك ، قال : نعم إن شاء الله ، احفظ عني خمس [ ص: 111 ] خصال : إنك إن حفظتها لا تبالي ما أضعت بعدها ، قلت : نعم ، قال : ، عانق الفقر ، وتوسد الصبر ، وعاد الشهوات ، وخالف الهوى ، قلت : فإذا كنت كذلك ؟ قال : يهب الله لك خمسا : الزهد ومع الزهد القنوع ومع القنوع الرضا ، ومع الرضا المعرفة ، ومع المعرفة الشوق ، ثم يهب لك خمسا : السباق ، والبدار ، والتخفف ، وحسن البشارة ، وحسن المنقلب إلى الله ، أولئك أحباء الله ، قلت : فأين ترى لي أن أسكن ؟ قال : ارحل نحو الأكم ، قلت : فهل شيء أعيش به ؟ قال : فمقت في وجهي ، وقال : تفر إلى الله من ذنبك ، وتستبطئه في رزقك ؟ فلا والله ما أدري دخل البحر أم لا " . وحكى وافزع إلى الله في جميع أمورك جعفر بن نصير عن السري ، بزيادة ألفاظ .
أخبرني جعفر بن محمد - في كتابه حاكيا عن - قال : خرجت من السري السقطي بغداد أريد الرباط إلى عبادان فصحبني علي الجرجاني في الزورق ، فلما حضر وقت إفطاري أخرجت قرصين من شعير وملح مدقوق ، وقلت لعلي : هلم يا أبا الحسن ، قال : فجعل يطيل النظر إلى الرغيفين والملح ، ثم إنه التفت إلي ، فقال : يا سري ، ملحك مدقوق ؟ قلت : نعم ، قال : يا سري ، ليس تفلح ، قلت : ولم ؟ قال : يا سري ، أما علمت أن خبز الشعير والملح الجريش ينور القلب ، فجعل يتردد في صدري ، فلما قربنا من عبادان وأردنا أن نفترق ، قلت : رحمك الله ، كلمة أحفظها عنك ، قال : أو تفعل ؟ قلت : نعم أفعل ، فقال لي : يا سري احفظ عني خمس خصال ، إن أنت حفظتها لا تبالي ما ضيعت بعدهن ، قلت : وما هن يرحمك الله ؟ قال : " يا سري ، عانق الفقر ، وتوسد الصبر ، وعاد الشهوات ، وخالف الهوى ، فإذا كنت كذاك وهب الله لك خمسا ، قلت : وما هن ؟ قال : الشكر ، والرضا ، والخوف ، والرجاء ، والصبر على البلاء ، ثم تدفعك هذه إلى خمس : إلى الورع الخفي ، وتصفية القلوب ، وترك ما حاك في الصدور ، وترك ما لا يعنيك ، وترك الفضول لحفظ الجوارح ، ثم تمدك بخمس : بحياة القلوب ، وصفاء الاعتبار ، والفهم [ ص: 112 ] عن الله ، والتيقظ من الغفلة ، ومساعدة الأوطان في طاعة الله ، فعندها يريدك الله بخمسة أردية : اللطف ، والحلم ، والرأفة ، والرحمة للعالم ، وهيبة النار ، إذا اطلعت عليها ذكرت الله بالربوبية ، ويلزم قلبك خمسا : السباق ، والبدار ، والتصبر عن الحرام ، وصدق الانقطاع ، وصحة الإرادة " . واضرع إلى الله في جميع أمورك