قال : ثم دخل موسى بن عقبة اليهود حصنا لهم منيعا يقال له : القموص ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبا من عشرين ليلة ، وكانت أرضا وخمة شديدة الحر ، فجهد المسلمون جهدا شديدا ، فذبحوا الحمر ، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكلها ، وجاء عبد أسود حبشي من أهل خيبر كان في غنم لسيده ، فلما رأى أهل خيبر قد أخذوا السلاح سألهم : ما تريدون ؟ قالوا : نقاتل هذا الذي يزعم أنه نبي ، فوقع في نفسه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ( فأقبل بغنمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ماذا تقول وما تدعو إليه ؟ قال : أدعو إلى الإسلام ، وأن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وأن لا تعبد إلا الله . قال العبد : فما لي إن شهدت وآمنت بالله عز وجل ؟ قال : لك الجنة إن مت على ذلك . فأسلم ، ثم قال : يا نبي الله ، إن هذه الغنم عندي أمانة . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخرجها من عندك وارمها بالحصباء ؛ فإن الله سيؤدي عنك أمانتك . ففعل ، فرجعت الغنم إلى سيدها ، فعلم اليهودي أن غلامه قد أسلم ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فوعظهم وحضهم على الجهاد ، فلما التقى المسلمون واليهود قتل فيمن ، فاحتمله المسلمون إلى معسكرهم ، فأدخل في الفسطاط ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع في الفسطاط ثم أقبل على أصحابه وقال : لقد أكرم الله هذا العبد وساقه إلى خير ، ولقد رأيت عند رأسه اثنتين من الحور العين ، ولم يصل لله سجدة قط قتل العبد الأسود ) .
قال : عن حماد بن سلمة ثابت ، عن أنس : ( ) . أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال : يا رسول الله ، إني رجل أسود اللون ، قبيح الوجه ، منتن الريح ، لا مال لي ، فإن قاتلت هؤلاء حتى أقتل أأدخل الجنة ؟ قال : نعم . فتقدم فقاتل حتى قتل ، فأتى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقتول فقال : لقد أحسن الله وجهك ، وطيب ريحك ، وكثر مالك . ثم قال : لقد رأيت زوجتيه من الحور العين ينزعان جبته عنه يدخلان فيما بين جلده وجبته
[ ص: 288 ] وقال شداد بن الهاد : ( خيبر غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فقسمه ، وقسم للأعرابي ، فأعطى أصحابه ما قسمه له ، وكان يرعى ظهرهم ، فلما جاء دفعوه إليه فقال : ما هذا ؟ قالوا : قسم قسمه لك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذا يا رسول الله ؟ قال : قسم قسمته لك . قال : ما على هذا اتبعتك ، ولكن اتبعتك على أن أرمى هاهنا - وأشار إلى حلقه - بسهم ، فأموت فأدخل الجنة . فقال : إن تصدق الله يصدقك . ثم نهض إلى قتال العدو ، فأتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقتول ، فقال : أهو هو ؟ قالوا : نعم . قال : صدق الله فصدقه . فكفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبته ثم قدمه فصلى عليه ، وكان من دعائه له : اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك قتل شهيدا وأنا عليه شهيد ) . جاء رجل من الأعراب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه ، فقال : أهاجر معك . فأوصى به بعض أصحابه ، فلما كانت غزوة
قال ( الواقدي اليهود إلى قلعة الزبير - حصن منيع في رأس قلة - فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ، فجاء رجل من اليهود يقال له : عزال فقال : يا أبا القاسم ، إنك لو أقمت شهرا ما بالوا ، إن لهم شرابا وعيونا تحت الأرض يخرجون بالليل فيشربون منها ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك ، فإن قطعت مشربهم عليهم أصحروا لك . فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مائهم فقطعه عليهم ، فلما قطع عليهم خرجوا فقاتلوا أشد القتال ، وقتل من المسلمين نفر ، وأصيب نحو العشرة من اليهود ، وافتتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الكتيبة والوطيح والسلالم حصن ابن أبي الحقيق ، فتحصن أهله أشد التحصن ، وجاءهم كل فل كان انهزم من النطاة والشق ، فإن خيبر كانت جانبين الأول : الشق والنطاة ، وهو الذي افتتحه أولا ، والجانب الثاني : الكتيبة والوطيح والسلالم ، فجعلوا لا يخرجون من حصونهم حتى هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينصب [ ص: 289 ] عليهم المنجنيق ، فلما أيقنوا بالهلكة وقد حصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر يوما ، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح ، وأرسل ابن أبي الحقيق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنزل فأكلمك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم " ، فنزلابن أبي الحقيق فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة وترك الذرية لهم ، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم ، ويخلون بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ما كان لهم من مال وأرض وعلى الصفراء والبيضاء والكراع والحلقة ، إلا ثوبا على ظهر إنسان . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئا " . فصالحوه على ذلك ) . وتحولت
قال : أنبأنا حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر نافع ، عن ابن عمر خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم ، فغلب على الزرع والنخل والأرض ، فصالحوه على أن يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء ، واشترط عليهم أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئا ، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد ، فغيبوا مسكا فيه مال وحلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل لحيي بن أخطب ، كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعم حيي بن أخطب : ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير؟ . قال : أذهبته النفقات والحروب . فقال : العهد قريب والمال أكثر من ذلك . فدفعه رسول الله إلى الزبير فمسه بعذاب ، وقد كان قبل ذلك دخل خربة فقال : قد رأيت حييا يطوف في خربة ها هنا . فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في الخربة ، فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحقيق ، وأحدهما زوج ، وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءهم وذراريهم وقسم أموالهم بالنكث الذي نكثوا ، وأراد أن يجليهم منها فقالوا : يا محمد ، دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها ، فنحن أعلم بها منكم . ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها ، وكانوا لا يفرغون يقومون عليها ، فأعطاهم صفية بنت حيي بن أخطب خيبر على أن لهم [ ص: 290 ] الشطر من كل زرع وكل ثمر ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم . وكان يخرصه عليهم كما تقدم . ولم يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصلح إلا ابني أبي الحقيق للنكث الذي نكثوا ؛ فإنهم شرطوا إن غيبوا أو كتموا فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله ، فغيبوا ، فقال لهم : أين المال الذي خرجتم به من عبد الله بن رواحة المدينة حين أجليناكم ؟ قالوا : ذهب . فحلفوا على ذلك ، فاعترف ابن عم كنانة عليهما بالمال حين دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الزبير يعذبه . فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانة إلى محمد بن مسلمة فقتله ، ويقال : إن كنانة هو كان قتل أخاه محمود بن مسلمة .