فصل
الحكم السادس : انقطاع من جهة الأب ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى ألا يدعى ولدها لأب ، وهذا هو الحق ، وهو قول الجمهور ، وهو أجل فوائد اللعان . نسب الولد
وشذ بعض أهل العلم وقال : المولود للفراش لا ينفيه اللعان البتة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما ينفي اللعان الحمل ، فإن لم يلاعنها حتى ولدت لاعن لإسقاط الحد فقط ، ولا ينتفي ولدها منه ، وهذا مذهب قضى أن الولد للفراش ، واحتج عليه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الولد لصاحب الفراش ، قال : فصح أن كل من ولد على فراشه ولد فهو ولده ، إلا حيث نفاه الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أو حيث يوقن بلا شك أنه ليس ولده ، ولم ينفه صلى الله عليه وسلم إلا وهي حامل باللعان فقط ، فبقي ما عدا ذلك على لحاق النسب قال : ولذلك قلنا : إن صدقته [ ص: 358 ] في أن الحمل ليس منه ، فإن تصديقها له لا يلتفت إليه ؛ لأن الله تعالى يقول : ( أبي محمد بن حزم ولا تكسب كل نفس إلا عليها ) [ الأنعام : 164 ] فوجب أن إقرار الأبوين يصدق على نفي الولد ، فيكون كسبا على غيرهما ، وإنما نفى الله سبحانه الولد إذا أكذبته الأم والتعنت هي والزوج فقط ، فلا ينتفي في غير هذا الموضع . انتهى كلامه .
وهذا ضد مذهب من يقول : إنه لا يصح اللعان على الحمل حتى تضع ، كما يقول أحمد ، والصحيح صحته على الحمل وعلى الولد بعد وضعه ، كما قاله وأبو حنيفة مالك ، فالأقوال ثلاثة . والشافعي
ولا تنافي بين هذا الحكم وبين الحكم بكون الولد للفراش بوجه ما ، فإن الفراش قد زال باللعان ، وإنما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الولد للفراش عند تعارض الفراش ودعوى الزاني ، فأبطل دعوى الزاني للولد ، وحكم به لصاحب الفراش . وهاهنا صاحب الفراش قد نفى الولد عنه .
فإن قيل : فما تقولون لو لاعن لمجرد نفي الولد مع قيام الفراش فقال : لم تزن ولكن ليس هذا الولد ولدي ؟ .
قيل : في ذلك قولان ، وهما روايتان منصوصتان عن للشافعي أحمد .
إحداهما : أنه لا لعان بينهما ، ويلزمه الولد وهي اختيار الخرقي .
والثانية : أن له أن يلاعن لنفي الولد فينتفي عنه بلعانه وحده ، وهي اختيار أبي البركات ابن تيمية ، وهي الصحيحة .
فإن قيل : فخالفتم حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أن الولد للفراش )
قلنا : معاذ الله ، بل وافقنا أحكامه حيث وقع غيرنا في خلاف بعضها تأويلا ، فإنه إنما حكم بالولد للفراش حيث ادعاه صاحب الفراش فرجح دعواه بالفراش وجعله له ، وحكم بنفيه عن صاحب الفراش حيث نفاه عن نفسه وقطع نسبه منه ، وقضى ألا يدعى [ ص: 359 ] لأب ، فوافقنا الحكمين وقلنا بالأمرين ، ولم نفرق تفريقا باردا جدا سمجا لا أثر له في نفي الولد حملا ونفيه مولودا ، فإن الشريعة لا تأتي على هذا الفرق الصوري الذي لا معنى تحته البتة ، وإنما يرتضي هذا من قل نصيبه من ذوق الفقه وأسرار الشريعة وحكمها ومعانيها ، والله المستعان ، وبه التوفيق .