برح : برح برحا وبروحا : زال . والبراح : مصدر قولك برح مكانه أي زال عنه وصار في البراح . وقولهم : لا براح ، منصوب كما نصب قولهم لا ريب ، ويجوز رفعه فيكون بمنزلة ليس ; كما قال سعد بن ناشب في قصيدة مرفوعة :
من فر عن نيرانها فأنا لا براح ابن قيس
قال ابن الأثير : البيت لسعد بن مالك يعرض بالحرث بن عباد ، وقد كان اعتزل حرب تغلب وبكر ابني وائل ; ولهذا يقول :
بئس الخلائف بعدنا : أولاد يشكر واللقاح
وأراد باللقاح بني حنيفة ، سموا بذلك لأنهم لا يدينون بالطاعة للملوك ، وكانوا قد اعتزلوا حرب بكر وتغلب إلا الفند الزماني . وتبرح : كبرح ; قال مليح الهذلي :
مكثن على حاجاتهن ، وقد مضى شباب الضحى ، والعيس ما تتبرح
وأبرحه هو . الأزهري : برح الرجل يبرح براحا إذا رام من موضعه . وما برح يفعل كذا أي ما زال ، ولا أبرح أفعل ذاك أي لا أزال أفعله . وبرح الأرض : فارقها . وفي التنزيل : فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي ; وقوله - تعالى : لن نبرح عليه عاكفين أي لن نزال . وحبيل براح : الأسد كأنه قد شد بالحبال فلا يبرح ، وكذلك الشجاع . والبراح الظهور والبيان . وبرح الخفاء وبرح ، الأخيرة عن : ظهر ; قال : ابن الأعرابي
برح الخفاء فما لدي تجلد
أي وضح الأمر كأنه ذهب السر وزال . الأزهري : برح الخفاء معناه زال الخفاء ، وقيل : معناه ظهر ما كان خافيا وانكشف ، مأخوذ من براح الأرض ، وهو البارز الظاهر ، وقيل : معناه ظهر ما كنت أخفي . وجاء بالكفر براحا أي بينا . وفي الحديث : جاء بالكفر براحا أي جهارا ، من برح الخفاء إذا ظهر ، ويروى بالواو . وجاءنا بالأمر براحا أي بينا . وأرض براح : واسعة ظاهرة لا نبات فيها ولا عمران . والبراح ; بالفتح : المتسع من الأرض لا زرع فيه ولا شجر . وبراح وبراح : اسم للشمس ، معرفة مثل قطام ، سميت بذلك لانتشارها [ ص: 52 ] وبيانها ; وأنشد قطرب :
هذا مقام قدمي رباح ذبب حتى دلكت براح
براح يعني الشمس . ورواه الفراء : براح ، بكسر الباء ، وهي باء الجر ، وهو جمع راحة وهي الكف أي استريح منها ، يعني أن الشمس قد غربت أو زالت فهم يضعون راحاتهم عن عيونهم ، ينظرون هل غربت أو زالت . ويقال للشمس إذا غربت : دلكت براح يا هذا ، على فعال . المعنى : أنها زالت وبرحت حين غربت ، فبراح بمعنى بارحة ، كما قالوا لكلب الصيد : كساب بمعنى كاسبة ، وكذلك حذام بمعنى حاذمة . ومن قال : دلكت الشمس براح ، فالمعنى : أنها كادت تغرب ; قال : وهو قول الفراء ; قال ابن الأثير : وهذان القولان ، يعني فتح الباء وكسرها ، ذكرهما أبو عبيد والأزهري والهروي وغيرهم من مفسري اللغة والغريب ، قال : وقد أخذ بعض المتأخرين القول الثاني على والزمخشري الهروي ، فظن أنه قد انفرد به ، وخطأه في ذلك ، ولم يعلم أن غيره من الأئمة قبله وبعده ذهب إليه ; وقال الغنوي :
بكرة حتى دلكت براح
يعني برائح ، فأسقط الياء ، مثل جرف هار وهائر . وقال المفضل : دلكت براح وبراح ، بكسر الحاء وضمها ; وقال أبو زيد : دلكت براح ، مجرور منون ، ودلكت براح ، مضموم غير منون ; وفي الحديث : حين دلكت براح . ودلوك الشمس : غروبها . وبرح بنا فلان تبريحا ، وأبرح ، فهو مبرح بنا ومبرح : آذانا بالإلحاح ، وفي التهذيب : آذاك بإلحاح المشقة ، والاسم البرح والتبريح ، ويوصف به فيقال : أمر برح ; قال :
بنا والهوى برح على من يغالبه
وقالوا : برح بارح وبرح مبرح ، على المبالغة ، فإن دعوت به ، فالمختار النصب ، وقد يرفع ; وقول الشاعر :
أمنحدرا ترمي بك العيس غربة ؟ ومصعدة ؟ برح لعينيك بارح !
يكون دعاء ويكون خبرا . والبرح : الشر والعذاب الشديد . وبرح به : عذبه . والتباريح : الشدائد ، وقيل : هي كلف المعيشة في مشقة . وتباريح الشوق : توهجه . ولقيت منه برحا بارحا أي شدة وأذى ; وفي الحديث : لقينا منه البرح أي الشدة ; وفي حديث أهل النهروان : لقوا برحا ; قال الشاعر :
أجدك هذا ؟ عمرك الله ! كلما دعاك الهوى ؟ برح لعينيك بارح !
وضربه ضربا مبرحا : شديدا ، ولا تقل مبرحا . وفي الحديث : " " أي غير شاق . وهذا أبرح علي من ذاك أي أشق وأشد ; قال ضربا غير مبرح : ذو الرمة
أنينا وشكوى بالنهار كثيرة علي ، وما يأتي به الليل أبرح
وهذا على طرح الزائد ، أو يكون تعجبا لا فعل له كأحنك الشاتين . والبرحاء : الشدة والمشقة ، وخص بعضهم به شدة الحمى ; وبرحايا ، في هذا المعنى . وبرحاء الحمى وغيرها : شدة الأذى . ويقال للمحموم الشديد الحمى : أصابته البرحاء . : إذا تمدد المحموم للحمى ، فذلك المطوى ، فإذا ثاب عليها ، فهي الرحضاء ، فإذا اشتدت الحمى ، فهي البرحاء . وفي الحديث : " برحت بي الحمى " ; أي أصابني منها البرحاء ، وهو شدتها . وحديث الإفك : فأخذه البرحاء ; وهو شدة الكرب من ثقل الوحي . وفي حديث قتل الأصمعي أبي رافع اليهودي : برحت بنا امرأته بالصياح . وتقول : برح به الأمر تبريحا أي جهده ، ولقيت منه بنات برح وبني برح . والبرحين والبرحين ، بكسر الباء وضمها ، والبرحين أي الشدائد والدواهي ، كأن واحد البرحين برح ، ولم ينطق به إلا أنه مقدر ، كأنه سبيله أن يكون الواحد برحة ، بالتأنيث ، كما قالوا : داهية ومنكرة ، فلما لم تظهر الهاء في الواحد جعلوا جمعه بالواو والنون ، عوضا من الهاء المقدرة ، وجرى ذلك مجرى أرض وأرضين ، وإنما لم يستعملوا في هذا الإفراد ، فيقولوا : برح ، واقتصروا فيه على الجمع دون الإفراد من حيث كانوا يصفون الدواهي بالكثرة والعموم والاشتمال والغلبة ; والقول في الفتكرين والأقورين كالقول في هذه ; ولقيت منه برحا بارحا ، ولقيت منه ابن بريح ، كذلك ; والبريح : التعب أيضا ; وأنشد :
به مسيح وبريح وصخب
والبوارح : شدة الرياح من الشمال في الصيف دون الشتاء ، كأنه جمع بارحة ، وقيل : البوارح الرياح الشدائد التي تحمل التراب في شدة الهبوات ، واحدها بارح ، والبارح : الريح الحارة في الصيف . والبوارح : الأنواء ، حكاه أبو حنيفة عن بعض الرواة ورده عليهم . أبو زيد : البوارح الشمال في الصيف ; خاصة قال الأزهري : وكلام العرب الذين شاهدتهم على ما قال أبو زيد ، وقال : كل ريح تكون في نجوم القيظ ، فهي عند العرب بوارح ، قال : وأكثر ما تهب بنجوم الميزان وهي السمائم ; قال ابن كناسة : ذو الرمة
لا بل هو الشوق من دار تخونها مرا سحاب ، ومرا بارح ترب
فنسبها إلى التراب لأنها قيظية لا ربعية . وبوارح الصيف : كلها تربة . والبارح من الظباء والطير : خلاف السانح ، وقد برحت تبرح بروحا ; قال :
فهن يبرحن له بروحا وتارة يأتينه سنوحا
وفي الحديث : برح ظبي ; هو من البارح ضد السانح . والبارح : ما مر من الطير والوحش من يمينك إلى يسارك ، والعرب تتطير به لأنه لا يمكنك أن ترميه حتى تنحرف ، والسانح ما مر بين يديك من جهة يسارك إلى يمينك ، والعرب تتيمن به لأنه أمكن للرمي والصيد . وفي المثل : من لي بالسانح بعد البارح ؟ يضرب للرجل يسيء الرجل ، فيقال له : إنه سوف يحسن إليك ، فيضرب هذا المثل ; وأصل ذلك أن [ ص: 53 ] رجلا مرت به ظباء بارحة ، فقيل له : سوف تسنح لك ، فقال : من لي بالسانح بعد البارح ؟ وبرح الظبي ، بالفتح ، بروحا إذا ولاك مياسره ، يمر من ميامنك إلى مياسرك ; وفي المثل : إنما هو كبارح الأروي قليلا ما يرى ; يضرب ذلك للرجل إذا أبطأ عن الزيارة ، وذلك أن الأروي يكون مساكنها في الجبال من قنانها فلا يقدر أحد عليها أن تسنح له ، ولا يكاد الناس يرونها سانحة ولا بارحة إلا في الدهور مرة . وقتلوهم أبرح قتل أي أعجبه ; وفي حديث عكرمة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن التوليه والتبريح ; قال : التبريح قتل السوء للحيوان مثل أن يلقى السمك على النار حيا ، وجاء التفسير متصلا بالحديث ; قال شمر : ذكر هذا الحديث مع ما ذكره من كراهة إلقاء السمكة إذا كانت حية على النار ، وقال : أما الأكل فتؤكل ولا يعجبني ، قال : وذكر بعضهم أن إلقاء القمل في النار مثله ; قال ابن المبارك الأزهري : ورأيت العرب يملأون الوعاء من الجراد وهي تهتش فيه ، ويحتفرون حفرة في الرمل ويوقدون فيها ثم يكبون الجراد من الوعاء فيها ، ويهيلون عليها الإرة الموقدة حتى تموت ، ثم يستخرجونها ويشررونها في الشمس ، فإذا يبست أكلوها . وأصل التبريح : المشقة والشدة . وبرح به إذا شق عليه . وما أبرح هذا الأمر ! أي ما أعجبه ! قال الأعشى :
أقول لها ، حين جد الرحي ل : أبرحت ربا ، وأبرحت جارا
أي أعجبت وبالغت ; وقيل : معنى هذا البيت أبرحت أكرمت أي صادفت كريما ; وأبرحه بمعنى أكرمه وعظمه . وقال أبو عمرو : برحى له ومرحى له إذا تعجب منه ، وأنشد بيت الأعشى وفسره ، فقال : معناه أعظمت ربا ; وقال آخرون : أعجبت ربا . ويقال : أكرمت من رب ، وقال : أبرحت بالغت . ويقال : أبرحت لؤما وأبرحت كرما أي جئت بأمر مفرط . وأبرح فلان رجلا إذا فضله ; وكذلك كل شيء تفضله . وبرح الله عنه أي فرج الله عنه ; وإذا غضب الإنسان على صاحبه ، قيل : ما أشد ما برح عليه ! والعرب تقول : فعلنا البارحة كذا وكذا لليلة التي قد مضت ، يقال ذلك بعد زوال الشمس ، ويقولون قبل الزوال : فعلنا الليلة كذا وكذا ; وقول الأصمعي : ذي الرمة
تبلغ بارحي كراه فيه
قال بعضهم : أراد النوم الذي شق عليه أمره لامتناعه منه ، ويقال : أراد نوم الليلة البارحة . والعرب تقول : ما أشبه الليلة بالبارحة أي ما أشبه الليلة التي نحن فيها بالليلة الأولى التي قد برحت وزالت ومضت . والبارحة : أقرب ليلة مضت ; تقول : لقيته البارحة ، ولقيته البارحة الأولى ، وهو من برح أي زال ، ولا يحقر ; قال ثعلب : حكي عن أبي زيد أنه قال : تقول مذ غدوة إلى أن تزول الشمس : رأيت الليلة في منامي ، فإذا زالت ، قلت : رأيت البارحة ; وذكر في أخبار النحاة عن السيرافي يونس ، قال : يقولون كان كذا وكذا الليلة إلى ارتفاع الضحى ، وإذا جاوز ذلك ، قالوا : كان البارحة . الجوهري : وبرحى ، على فعلى ، كلمة تقال عند الخطإ في الرمي ، ومرحى عند الإصابة ; : وللعرب كلمتان عند الرمي : إذا أصاب قالوا : مرحى ، وإذا أخطأ قالوا : برحى . وقول بريح : مصوب به ; قال ابن سيده الهذلي :
أراه يدافع قولا بريحا
وبرحة كل شيء : خياره ; ويقال : هذه برحة من البرح ، بالضم ، للناقة إذا كانت من خيار الإبل ; وفي التهذيب : يقال للبعير : هو برحة من البرح ; يريد أنه من خيار الإبل . وابن بريح ، وأم بريح : اسم للغراب معرفة ، سمي بذلك لصوته ; وهن بنات بريح ، قال : صوابه أن يقول ابن بريح ، قال : وقد يستعمل أيضا في الشدة ، يقال : لقيت منه ابن بريح ; ومنه قول الشاعر : ابن بري
سلا القلب عن كبراهما بعد صبوة ولاقيت من صغراهما ابن بريح
ويقال في الجمع : لقيت منه بنات برح وبني برح . ويبرح : اسم رجل ; وفي حديث أبي طلحة : أحب أموالي إلي بيرحاء ; ابن الأثير : هذه اللفظة كثيرا ما تختلف ألفاظ المحدثين فيها فيقولون : بيرحاء ، بفتح الباء وكسرها ، وبفتح الراء وضمها ، والمد فيهما ، وبفتحهما والقصر ، وهو اسم مال وموضع بالمدينة ، قال : وقال في الفائق : إنها فيعل من البراح ، وهي الأرض الظاهرة . الزمخشري