والقسم الثاني من هذا الصنف : بحيث قد أحاط بهم من كل وجه فهم بمنزلة الأنعام بل هم أضل سبيلا ، فهؤلاء أعمالهم - التي عملوها على غير بصيرة بل بمجرد التقليد واتباع الآباء من غير نور " من " الله تعالى - كظلمات - جمع ظلمة - وهي ظلمة الجهل ، وظلمة الكفر ، وظلمة الظلم واتباع الهوى ، وظلمة الشك والريب ، وظلمة الإعراض عن الحق الذي بعث الله تعالى به رسله صلوات الله وسلامه عليهم ، والنور الذي أنزله معهم ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور ، فإن المعرض عما بعث الله تعالى به أصحاب الظلمات وهم المنغمسون في الجهل محمدا صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق يتقلب في خمس ظلمات ، قوله ظلمة ، وعمله ظلمة ، ومدخله ظلمة ، ومخرجه ظلمة ، ومصيره إلى الظلمة ، فقلبه مظلم ، ووجهه مظلم ، وكلامه مظلم ، وحاله مظلمة ، وإذا قابلت بصيرته الخفاشية ما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم من [ ص: 58 ] النور جد في الهرب منه وكاد نوره يخطف بصره فهرب إلى ظلمات الآراء التي هي به أنسب وأولى كما قيل .
خفافيش أعشاها النهار بضوئه ووافقها قطع من الليل مظلم فإذا جاء إلى زبالة الأفكار ونحاتة الأذهان ، جال وصال ، وأبدى وأعاد ، وقعقع وفرقع . فإذا طلع نور الوحي وشمس الرسالة ، انحجر في أحجرة الحشرات .