[ ص: 550 ] المجلس الثالث :
في ذكر الأرض وعجائبها
الحمد لله القديم في مجده ، الكريم في رفده ، الرحيم فكل خير من عنده ، اللطيف في كل حال بعبده ، مد الأرض بقدرته والعجب في مده ، وزينها بنباتها وألوان ورده ، وسقاها كأس القطر بواسطة برقه ورعده ، وجمع في الغصن الواحد بين الشيء وضده ، وقوم الثمار بالماء من حر الشمس وبرده ، إله خوف بوعيده وشوق بوعده ، وقدر فاهتدى من هداه وضل من لم يهده ، وسمع فلم يعزب عن سمعه صوت المضطر بعد جهده ، وأبصر فرأى جريان دم العبد في عرقه وجلده ، وعلم ما في باطن سره من بره وحقده ، وعزمه وحزمه ، وبغضه ووده ، وغمه وفكره ، وعلمه وقصده ، وحلمه وحبه وزهده ، ولفه ونقضه ، وأخذه ورده ، وقدر أعماله في حياته وحاله في لحده ، وجعل في الحكمة نسيان أهله من بعده ، فإن كان صالحا عبق في قبره نشر ورده ، وإن كان عاصيا خلي بقبيحه وخطئ ببعده ، فسبحان من لا يعترض العقل على أفعاله بل يقف على حده وإن من شيء إلا يسبح بحمده .
أحمده حمدا لا يقدر الخلائق على عده ، وأصلي على رسوله وعبده ، وعلى صاحبه الذي كان الإسلام منحلا لولا قوة شده ، وعلى أبي بكر الصديق وحيد التدبير في السياسة وفرده ، وعلى عمر قائم الليل والدمع يجري على خده ، وعلى عثمان المصلي مع الرسول قبل بلوغ رشده ، وعلى عمه علي الذي أخذ له البيعة على جنده . العباس
قال الله تعالى : والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون .
قال : خلق الله عز وجل الماء فكان على متن الريح ، وخلق الحوت فوق الماء ، ثم كبس الأرض عليه فاضطرب النون فمادت الأرض ، فأثبتت بالجبال . ابن عباس
وقال السدي عن أشياخه : أخرج الله عز وجل من الماء دخانا سما عليه فسماه سماء ، ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة ، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين ، فالأرض على حوت [ ص: 551 ] في الماء ، والماء على ظهر صفاة ، والصفاة على ظهر ملك ، والملك على صخرة ، والصخرة والحوت في الريح ، قال وهب : واسم الحوت بهموت .
وقال : عمران الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ في مثلها ، قتادة فالسند والهند من ذلك اثنا عشر ألف فرسخ في مثلها ، وهم ولد حام ، والصين ثمانية آلاف فرسخ في مثلها وهم ولد يافث . والروم ثلاثة آلاف فرسخ في مثلها ، والعرب ألف فرسخ وهم والروم جميعا من ولد سام .
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : آدم يتصدق بيمينه يخفيها عن شماله " . " لما خلق الله الأرض جعلت تميد ؛ فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت ، فتعجبت الملائكة من خلق الجبال ، فقالت : يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال ؟ قال : نعم الحديد . قالت : يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الحديد ؟ قال : نعم النار . قالت : يا رب فهل من خلقك شيء أشد من النار ؟ قال : نعم الماء ، قالت : يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الماء ؟ قال : نعم الريح . قالت يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الريح ؟ قال : نعم ، ابن
قال العلماء : أول جبل وضع على الأرض جبل أبي قبيس ، وكان أول من بنى فيه رجل يقال له أبو قبيس ، فسمي بذلك ، وكان يقال له في الجاهلية الأمين ؛ لأن الركن كان مستودعا فيه من زمان الطوفان ، وهو أحد الأخشبين ، ومن مشاهير الجبال جبل ثور بمكة ، والحجون جبل واحد بالمدينة ، وجبل العرج بين مكة والمدينة يمضي إلى الشام حتى يتصل بلبنان ثم يتصل بجبال أنطاكية والمصيصة ، فيسمى هنالك اللكام . وفي سرنديب الجبل الذي أهبط عليه آدم وعليه العود والفلفل ، وفيه دابة المسك ، وجبل الروم الذي سد فيه ذو القرنين على يأجوج ومأجوج طوله سبعمائة فرسخ وينتهي إلى البحر المظلم .
وقد ذكر قدامة أن الذي وجد في الإقليم الأول من الجبال تسعة عشر ، وفي الإقليم الثاني سبعة وعشرون جبلا ، وفي الإقليم الثالث أحد وثلاثون ، وفي الرابع أربعة وعشرون ، وفي الخامس تسعة وعشرون ، وفي السادس أربعة وعشرون ، وفي السابع أربعة وعشرون أيضا . فجميع ما عرف من الجبال مائة وثمانية وتسعون جبلا ، وقد أحصيت المعادن كالجص والنورة فوجدوها سبعمائة معدن .
والأقاليم سبعة : فالإقليم الأول : الهند ، والثاني : الحجاز ، والثالث : مصر ، والرابع بابل ، والخامس : الروم ، والسادس الترك ، ويأجوج ومأجوج ، والسابع : الصين ومقدار [ ص: 552 ] كل إقليم سبعمائة فرسخ . والبحر الأعظم محيط بذلك كله يحيط به جبل قاف . وأما الأنهار فمنها النيل والفرات ودجلة وسيحان وجيحان .
وكان قد أوحى الله تعالى إلى دانيال عليه السلام : احفر لي نهرين بالعراق فقال : إلهي بأي مساح وبأي رجال ؟ فأوحى إليه أن أعد سكة حديد وعرضها واجعلها في خشبة فألقها خلف ظهرك فإني باعث إليك الملائكة يعينونك فحفر فكان إذا انتهى إلى أرض أرملة أو يتيم حاد عنها حتى حفر دجلة والفرات .
ومن العجائب في الدنيا : عن رضي الله عنهما قال : من العجائب التي وصفت في الدنيا أربع : عبد الله بن عمر منارة الإسكندرية عليها مرآة حديد يقعد القاعد تحتها قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فيرى من بالقسطنطينية وبينهما عرض البحر . وسوداني من نحاس على قضيب من نحاس على باب الشرقي برومية . فإذا كان أوان الزيتون صفر ذلك السوداني فلا يبقى سودانية إلا جاءت معها بثلاث زيتونات : زيتونتان في رجليها وزيتونة في منقارها فألقته على ذلك السوداني فتحمل أهل رومية فيعصرون ما يكفيهم لسرجهم وإدامهم إلى العام المقبل . ورجل من نحاس بأرض اليمن ماد يده إلى وراء يقول : ليس ورائي مذهب ولا مسلك ، وهي أرض رجراجة لا يستقر عليها الأقدام غزاها ذو القرنين في سبعين ألفا فخرج عليهم نمل كالبخاتي فكانت النملة تخطف الفارس عن فرسه . وبطة من نحاس على عمود من نحاس فيما بين الهند والصين . فإذا كان يوم عاشوراء شربت البطة من الماء حاجتها ، ومدت منقارها فيفيض من فيها من الماء ما يكفيهم لزروعهم ومواشيهم إلى العام المقبل .
قال العلماء : أول من سكن الأرض الجن ، وكانوا يعبدون الله عز وجل ، ثم تناول بعضهم بعضا بالقتل . قال : الجن ضعفاء الجان . ابن عباس
قال : ملك الأرض كلها أربعة : مؤمنان وكافران ، فأما المؤمنان : مجاهد سليمان بن داود ، وذو القرنين عليهما السلام ، والكافران : نمرود وبختنصر .
وقال كعب : ساكن الأرض الثانية الريح العقيم ، وساكن الأرض الثالثة حجارة جهنم ، وفي الرابعة كبريت جهنم ، وساكن الأرض الخامسة حيات جهنم ، وساكن الأرض السادسة عقارب جهنم ، وفي السابعة إبليس موثق يد أمامه ويد خلفه ورجل أمامه ورجل خلفه ، فتأتيه جنوده بالأخبار في مكانه ذلك .
فأما الجن فهم ثلاثة أنواع : جان وجن وشياطين . وكلهم خلقوا قبل آدم . وفي الجان ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه أبو الجن ، رواه الضحاك عن ، وهو مخلوق من مارج [ ص: 553 ] من نار . والمارج : لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت . ابن عباس
والثاني : أن الجان هو إبليس . قاله الحسن وعطاء .
والثالث : أن الجان مسيخ الجن كما أن القردة ، والخنازير مسيخ الإنس . رواه عن عكرمة . ابن عباس
فأما الشيطان فهو كل متجبر عات من الجن ، وكذلك المارد والعفريت .
وفي إبليس قولان : أحدهما أنه كان من أشراف الملائكة . والثاني : أنه كان من الجن .
قال : لإبليس خمسة أولاد : نبر ، والأعور ، ومسوط ، وداسم ، وزلنبور . فأما نبر فهو صاحب المصائب ، يأمر بشق الجيوب ، ولطم الخدود ، وأما الأعور فيأمر بالزنا ، ومسوط صاحب الكذب يلقى الرجل فيخبره بالشيء فيتحدث الرجل به ، وداسم يوقع بين الرجل وأهله ، وزلنبور يركز رايته في السوق ويوقع بينهم . مجاهد