[ ص: 380 ] فصل:
ومن هذا الفن تلبيسه على العيارين في أخذ أموال الناس فإنهم يسمون بالفتيان ويقولون الفتى لا يزني ولا يكذب ويحفظ الحرم ولا يهتك ستر امرأة ومع هذا لا يتحاشون من أخذ أموال الناس وينسون تقلي الأكباد على الأموال ويسمون طريقتهم الفتوة وربما حلف أحدهم بحق الفتوة فلم يأكل ولم يشرب ويجعلون إلباس السراويل للداخل في مذهبهم كإلباس الصوفية للمريد المرقعة وربما يسمع أحد هؤلاء عن ابنته أو أخته كلمة وزر لا تصح ولا بما كانت من محرض فقتلها ويدعون أن هذه فتوة وربما افتخر أحدهم بالصبر على الضرب وبإسناد عن أنه كان يقول كنت كثيرا أسمع والدي عبد الله بن أحمد بن حنبل أحمد بن حبنل يقول رحم الله أبا الهيثم فقلت: من أبو الهيثم فقال أبو الهيثم الحداد لما مددت يدي إلى العقاب وأخرجت للسياط إذا أنا بإنسان يجذب ثوبي من ورائي ويقول لي تعرفني قلت: لا قال أنا أبو الهيثم العيار اللص الطرار مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أني ضربت ثمانية عشرة ألف سوط بالتفاريق وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا فاصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدين قلت: أبو الهيثم هذا يقال له خالد الحداد وكان يضرب المثل بصبره وقال له المتوكل ما بلغ من جلدك قال املأ لي جرابي عقارب ثم أدخل يدي فيه وإنه ليؤلمني ما يؤلمك وأجد لآخر سوط من الألم ما أجد لأول سوط ولو وضعت في فمي خرقة وأنا أضرب لاحترقت من حرارة ما يخرج من جوفي ولكنني وطنت نفسي على الصبر فقال له الفتح ويحك مع هذا اللسان والعقل ما يدعوك إلى ما أنت عليه من الباطل فقال أحب الرياسة فقال المتوكل نحن خليدية وقال الفتح أنا خليدي وقال رجل لخالد يا خالد ما أنتم لحوم ودماء فيؤلمكم الضرب فقال بلى يؤلمنا ولكن معنا عزيمة صبر ليست لكم وقال لما قدم داود بن علي بخالد اشتهيت أن أراه فمضيت إليه فوجدته جالسا غير متمكن لذهاب لحم إليتيه من الضرب وإذا حوله فتيان فجعلوا يقولون ضرب فلان وفعل بفلان كذا فقال لهم لا تتحدثوا عن غيركم افعلوا أنتم حتى يتحدث عنكم غيركم.
قال المصنف رحمه الله: والعجب أنهم يظنون لحالهم مرتبة وفضيلة مع ارتكاب العظائم. فانظروا إلى الشيطان كيف يتلاعب بهؤلاء فيصبرون على شدة الألم ليحصل لهم الذكر ولو صبروا على يسير التقوى لحصل [ ص: 381 ] لهم الأجر