[فصل ]
واعلم أن ويرون وأد البنات، ويمنعونهن الميراث، إلى غير ذلك من الضلال الذي سوله لهم إبليس، فابتعث الله سبحانه وتعالى الأنبياء جاؤوا بالبيان الكافي، وقابلوا الأمراض بالدواء الشافي، وتوافقوا على منهاج لم يختلف، فأقبل الشيطان يخلط بالبيان شبها، وبالدواء سما، وبالسبيل الواضح جردا مضلا، وما زال يلعب بالعقول إلى أن فرق الجاهلية في مذاهب سخيفة، وبدع قبيحة، فأصبحوا يعبدون الأصنام في البيت الحرام، ويحرمون السائبة والبحيرة والوصيلة والحام، محمدا صلى الله عليه وسلم، فرفع المقابح، وشرع المصالح، فسار [ ص: 7 ] أصحابه معه وبعده في ضوء نوره، سالمين من العدو وغروره. فلما انسلخ نهار وجودهم أقبلت أغباش الظلمات، فعادت الأهواء تنشئ بدعا، وتضيق سبيلا ما زال متسعا، ففرق الأكثرون دينهم وكانوا شيعا، ونهض إبليس يلبس ويزخرف ويفرق ويؤلف، وإنما يصح له التلصص في ليل الجهل، فلو قد طلع عليه صبح العلم افتضح.
فرأيت أن أحذر من مكايده، وأدل على مصايده، فإن في تعريف الشر تحذيرا عن الوقوع فيه. ففي الصحيحين من حديث قال: حذيفة وقد أخبرنا كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. أبو البركات سعد الله بن علي البزاز ، قال: أخبرنا أحمد بن علي الطريثيثي ، قال: أخبرنا هبة الله بن حسن الطبري ، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن سهل ، قال: ثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، قال: حدثنا بشر بن موسى ، قال: حدثنا ، قال: حدثنا عبيد بن يعيش ، قال: حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق الحسن أو الحسين بن عبد الله ، عن ، عن عكرمة رضي الله عنهما ، قال: " والله ما أظن على ظهر الأرض اليوم أحدا أحب إلى الشيطان هلاكا مني". فقيل: وكيف؟ فقال: " والله إنه ليحدث البدعة في مشرق أو مغرب، فيحملها الرجل إلي، فإذا انتهت إلي قمعتها بالسنة، فترد عليه كما أخرجها". ابن عباس