[ ص: 232 ] المسألة الثالثة
القائلون بوجوب الاستفتاء على العامي اتفقوا على جواز استفتائه لمن عرفه بالعلم وأهلية الاجتهاد والعدالة ، بأن يراه منتصبا للفتوى والناس متفقون على سؤاله والاعتقاد فيه ، وعلى امتناعه فيمن عرفه بالضد من ذلك .
واختلفوا في جواز . استفتاء من لم يعرفه بعلم ولا جهالة
والحق امتناعه على مذهب الجمهور ، وذلك لأنه لا نأمن أن يكون حال المسئول كحال السائل في العامية المانعة من قبول القول .
ولا يخفى أن احتمال العامية قائم ، بل هو أرجح من احتمال صفة العلم والاجتهاد نظرا إلى أن الأصل عدم ذلك ، وإلى أن الغالب إنما هو العوام ، وأن اندراج من جهلنا حاله تحت الأغلب أغلب على الظن ، ولهذا امتنع قبول قول مدعي الرسالة ، وقبول قول الراوي والشاهد إذا لم يقم دليل على صدقه .
فإن قيل : إذا فلا يخلو ؛ إما أن يقال : إنه يجب عليه البحث عن عدالته ، أو لا يجب ، فإن قيل بالأول فهو عدم خلاف ما الناس عليه في العادة من غير نكير . لم يعرف العامي السائل عدالة المفتي
وإن قيل بالثاني : فلا يخفى أن احتمال عدم العدالة مقاوم لاحتمال العدالة ، وعند ذلك فاحتمال صدقه فيما يخبر به مقاوم لاحتمال كذبه .
وعند ذلك ، إما أن يلزم من جواز الاستفتاء مع الجهل بالعدالة جوازه مع الجهل بالعلم أو لا يلزم ، فإن لم يلزم فما الفرق ؟ وإن لزم فهو المطلوب .
قلنا : لا نسلم جريان العادة بما ذكروه عند إرادة الاستفتاء ، وعلى هذا فلا بد من السؤال عن العدالة بما يغلب على الظن من قول عدل أو عدلين .
وإن سلمنا أنه لا يحتاج إلى البحث عن ذلك ، فالفرق ظاهر ، وذلك لأن الغالب من حال المسلم ولا سيما المشهور بالعلم والاجتهاد إنما هو العدالة ، وهو كاف في إفادة الظن ، ولا كذلك في العلم ؛ لأنه ليس الأصل في كل إنسان أن يكون عالما مجتهدا ولا الغالب ذلك .