المسألة الثانية
اختلفوا في جواز ، فنفاه جماعة من الأصوليين استصحاب حكم الإجماع في محل الخلاف وغيره وأثبته آخرون ، وهو المختار . كالغزالي
وصورته ما لو قال مثلا في مسألة الخارج النجس من غير السبيلين : إذا تطهر ثم خرج منه خارج من غير السبيلين فهو بعد الخروج متطهر ولو صلى فصلاته صحيحة ؛ لأن الإجماع منعقد على هذين الحكمين قبل الخارج ، والأصل في كل متحقق دوامه لما تحقق في المسألة التي قبلها الشافعي [1] إلا أن يوجد المعارض النافي والأصل عدمه ، فمن ادعاه يحتاج إلى الدليل .
فإن قيل : القول بثبوت الطهارة وصحة الصلاة في محل النزاع إما أن يكون لدليل أو لا لدليل ، لا جائز أن يكون لا لدليل ، فإنه خلاف الإجماع ، وإن كان لدليل فإما نص أو قياس أو إجماع ، فإن كان بنص أو قياس فلا بد من إظهاره ، ولو ظهر لم يكن إثبات الحكم في محل الخلاف بناء على الاستصحاب بل بناء على ما ظهر من النص أو القياس ، وإن كان بالإجماع ، فلا إجماع في محل الخلاف ، وإن كان الإجماع قبل خروج الخارج ثابتا .
قلنا : متى يفتقر الحكم في بقائه إلى دليل إذا قيل بنزوله منزلة الجواهر أو الأعراض ؟ الأول ممنوع ، بل هو باق بعد ثبوته بالإجماع لا بدليل لما سبق تقريره في المسألة المتقدمة ، والثاني مسلم ولكن لم قلتم إنه نازل منزلة الأعراض ؟ سلمنا أنه نازل منزلة الأعراض وأنه لا بد له من دليل ، ولكن لا نسلم انحصار الدليل المبقى فيما ذكروه من النص والإجماع والقياس ، إلا أن يبينوا أن الاستصحاب ليس بدليل وهو موضوع النزاع .
سلمنا أن الاستصحاب بنفسه لا يكون دليلا على الحكم الباقي بنفسه ، ولكنه دليل الدليل على الحكم .
وذلك لأنا بينا في المسألة المتقدمة وجود غلبة الظن ببقاء كل ما كان متحققا على حاله ، وذلك يدل من جهة الإجمال على دليل موجب لذلك الظن