القسم الثاني : . ما لو حدثت واقعة فرفعت إلى النبي - عليه السلام - فحكم عقيبها بحكم فإنه يدل على كون ما حدث علة لذلك الحكم
وذلك كما روي أن أعرابيا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له : هلكت وأهلكت ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : ماذا صنعت ؟ فقال : واقعت أهلي في نهار رمضان عامدا ، فقال له - عليه السلام - : اعتق رقبة [1] فإنه يدل على كون الوقاع علة للعتق .
وذلك لأنا نعلم أن الأعرابي إنما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن واقعته لبيان حكمها شرعا ، وأن النبي - عليه السلام - إنما ذكر ذلك الحكم في معرض الجواب له ، [ ص: 256 ] لا أنه ذكره ابتداء منه لما فيه من إخلاء السؤال عن الجواب وتأخير البيان عن وقت الحاجة ، وكل ذلك وإن كان ممكنا إلا أنه على خلاف الظاهر ، وإذا كان ذلك جوابا عن سؤاله فالسؤال الذي عنه الجواب يكون ذكره مقدرا في الجواب في كلام المجيب فيصير كأنه قال : واقعت فكفر .
وقد عرف أن الوصف إذا رتب الحكم عليه في كلام الشارع بفاء التعقيب تحقيقا ، فإنه يكون علة فكذلك إذا كان الحكم مرتبا عليه بفاء التعقيب تقديرا .
ولهذا كان هذا القسم ملحقا بالقسم الذي قبله ، وإن كان دونه في الظهور والدلالة لكون ( الفاء ) فيه مقدرة ، وفي الأول محققة ، والاحتمال أن يكون قد بدأ به لا عن قصد الجواب ، وذلك كما لو قال العبد لسيده : قد طلعت الشمس أو غربت ، فقال له : اسقني ماء فإنه لا يفهم منه الجواب لسؤاله ولا التعليل ، بل هو أمر له ابتداء بسقي الماء وعدول عن السؤال بالكلية ، إما لذهوله عن السؤال أو لعدم الالتفات إليه لعدم تعلق الغرض به ، غير أن هذا الاحتمال وإن كان منقدحا هاهنا فهو بعيد في حق النبي - عليه السلام - فيما فرض السؤال عنه ; إذ الغالب عدم الذهول ، وأنه إنما قصد الجواب حتى لا يكون مؤخرا للبيان عن وقت الحاجة مع كونه خلاف الظاهر .