[ ص: 58 ] المسألة الثالثة
قوله - صلى الله عليه وسلم - : " أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل " [1] صدر الكلام ( بأي وما ) في معرض الشرط والجزاء ، وذلك من أبلغ أدوات العموم عند القائلين به وأكده بالبطلان مرة بعد مرة ثلاث مرات ، وهو من أبلغ ما يدل به الفصيح المصقع على التعميم والبطلان .
وقد طرق إليه أصحاب أبي حنيفة ثلاث تأويلات : الأول : أنه يحتمل أنه أراد بالمرأة الصغيرة .
الثاني : أنه وإن أراد بها الكبيرة فيحتمل أنه أراد بها الأمة والمكاتبة .
الثالث : أنه يحتمل أنه أراد ببطلان النكاح مصيره إلى البطلان غالبا ، بتقدير اعتراض الأولياء عليها ، إذا زوجت نفسها من غير كفء .
وهذه التأويلات مما لا يمكن المصير إليها في صرف هذا العموم القوي المقارب للقطع عن ظاهره .
أما الحمل على الصغيرة فمن جهة أنها لا تسمى امرأة في وضع اللسان ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم بالبطلان ، ونكاح الصغيرة لنفسها دون إذن وليها صحيح عندهم ، موقوف على إجازة الولي .
وأما الحمل على الأمة فيدرؤه قوله - صلى الله عليه وسلم - : " " ومهر الأمة ليس لها بل لسيدها . فإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها
وأما الحمل على المكاتبة فبعيد أيضا من جهة أنها بالنسبة إلى جنس النساء نادرة ، واللفظ المذكور من أقوى مراتب العموم ، وليس من الكلام العربي إطلاق ما هذا شأنه ، وإرادة ما هو في غاية الندرة والشذوذ ، ولهذا فإنه لو قال السيد لعبده : " أيما امرأة لقيتها اليوم فأعطها درهما " وقال : " إنما أردت به المكاتبة " كان منسوبا إلى الإلغاز في القول وهجر الكلام .
وعلى هذا فلا نسلم صحة الاستثناء بحيث لا يبقى غير الأقل النادر من المستثنى منه كما سبق تقريره ، ولا فرق بين البابين .
[ ص: 59 ] وأما حمل بطلان النكاح على مصيره إلى البطلان فبعيد من وجهين : الأول : أن مصير العقد إلى البطلان من أندر ما يقع : والتعبير باسم الشيء عما يئول إليه إنما يصح فيما إذا كان المآل إليه قطعا : كما في قوله تعالى ( إنك ميت وإنهم ميتون ) أو غالبا كما في تسمية العصير خمرا في قوله تعالى ( أراني أعصر خمرا ) الثاني : قوله : " " ولو كان العقد واقعا صحيحا لكان المهر لها بالعقد لا بالاستحلال . فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها