ذكر الدعوى في الشراء والهبة والصدقة والوقت في ذلك
واختلفوا في . فقالت طائفة : كل واحد منهما بالخيار إن شاء أخذ نصفها بنصف الثمن الذي سمى شهوده ، ويرجع على البائع بنصفه ، وإن شاء رده ، فإن اختارا البيع فهو جائز [ ص: 110 ] لهما ، وإن اختار أحدهما البيع واختار الآخر [الرد ] فللذي اختار نصفها بنصف الثمن ، ولا يكون له كلها إذا وقع الخيار من الحاكم ، هذا قول الدار تكون بيد الرجل فادعى رجل أنه اشتراها بمائة درهم ونقده الثمن ، وادعى آخر أنه اشتراها منه بمائتي درهم ونقد الثمن ، ولم تؤقت واحدة من البينتين وقتا في كتاب الدعوى والبينات . الشافعي الربيع أخبرني عنه ، وبه قال النعمان ويعقوب ومحمد .
قال أبو بكر : وللشافعي قول آخر حكاه عنه أنه قال : أقرع بينهما ، فعلى هذا القول تجعل الدار لمن أصابته القرعة ، ويرجع الآخر على البائع بالثمن . أبو ثور
قال وقال أبو بكر : الربيع : وفيه قول آخر أن البيع كله مفسوخ بعد الأيمان إذا لم يعرف أيهما أول وترجع إلى صاحبها الأول ، فمن أقر له المالك أنه باعه أولا فهي للذي باعه (أولا) ، وهو قياس قول وهو له في موضع آخر ، وكان الشافعي يقول : والذي نقول به في هذا - والله يسترشد - أن البيع قد وقع لأحد المشتريين وليس للآخر شيء فلما لم يعلم كان فيها قولان . أبو ثور
أحدهما : أن يجبر الحاكم على فسخ البيع حتى ترجع إلى مالكها الأول ثم يبيعها ممن شاء ، ويقبض المشتريين أموالهما .
والآخر : إذا كانت الدار في يد البائع حكم عليه برد ما أخذ من المشتريين ، وأوقفت السلعة حتى يتبين لمن هي فيحكم بها ، أو يصطلحا من ذلك على شيء يتراضوا به ، وقال : وإن وقت الشهود وقتا [ ص: 111 ] فهي للأول ويرجع على البائع بالثمن ، وكذلك قال أبو ثور النعمان ، وقال : وإن وقتت إحدى البينتين ولم توقت الأخرى ، كان القول كما قلنا في البينتين إذا لم يوقتا ، وقال أبو ثور النعمان : أقضي بها لصاحب الوقت .
قال وإن لم توقت البينتان ، وكانت الدار في يد أحد المشتريين لم تخرج من يده ، ويرد البائع الثمن على الآخر . كذلك قال أبو بكر : أبو ثور والنعمان . وقال : ولو وقتت بينة الذي ليس هي في يده لم ينتفع بها حتى يشهد أن شراءه كان قبل شراء الذي هي في يده فيقضى بها له ورجع الآخر بالثمن ، وبه قال أبو ثور النعمان ويعقوب ومحمد .
وإذا كانت الدابة في يد رجل فأقام رجل البينة أنها دابته اشتراها من فلان بثمن مسمى ونقده الثمن وقبض الدابة ، وأقام آخر البينة أن فلانا ذلك وهبها له ، وقبضها منه ، فإن لم يوقت الشهود وقف أمرها حتى يتبين أو يصطلحا عليها وتخرج ممن هي في يده ؛ لأن كل واحد منهما قد ثبت قبضه لها ، وقد يكون باعها بعدما وهبها وقبضها الموهوب له ثم أودعها إياه فباعها ، [وقد ] يكون فتركها المشتري في يد البائع فوهبها وهو لا يملكها ، فلما لم يدر لمن هي منهما أوقف أمرها حتى يعلم أو يصطلحوا في قول . وقال أصحاب الرأي : يقضى [ ص: 112 ] بها لصاحب الشراء ، قال أبي ثور : وكذلك الصدقة والنحل والعمرى إذا كانت مع الشراء توقف ، وقال أصحاب الرأي : يقضى بهما لصاحب الشراء في ذلك كله . أبو ثور
قال وإذا لم يكن شراء وادعى أحدهما هبة والآخر صدقة ، فإن ذلك يوقف في قول أبو بكر : . وقال أبي ثور النعمان ويعقوب ومحمد : يقضى بها بينهما نصفين .
قال وإذا كان شراء ورهن وأقاما البينة بالشراء والرهن والقبض ، أوقف أمرهما حتى يتبين في قول أبو بكر : . وقال أصحاب الرأي : الشراء أولى من الرهن ، والرهن أولى من الصدقة والهبة في قول أبي ثور النعمان ، ويعقوب ، ومحمد ، وهكذا النكاح والصدقة والهبة والشراء في قول ، وقال أصحاب الرأي : النكاح أولى من الصدقة والهبة ، وإذا كان نكاح وشراء كان بينهما نصفين في قول أبي ثور يعقوب ، وقال محمد : الشراء أولى من النكاح ، ويكون للمرأة القيمة .
وإذا كانت الدار في يد رجل ، فأقام رجل البينة أنه اشتراها من الذي هي في يده بألف درهم ، فأقام الذي في يده أنه اشتراها من هذا الذي ادعاها بخمسمائة درهم ، فإنها للذي هي في يده ، ولو وقت الشهود وقتا فكان وقت المدعي أولا ، فإنها للذي هي في يده وكان الشراء الآخر يبطل الأول ، وذلك أن الشراء ممن قد ثبت الشيء له ، فالشراء الأخير ها هنا أولى ، ولو وقتت شهود الذي هي في يده الوقت الأول ووقت شهود المدعي الوقت الأخير كان شهود المدعي أولى ، وذلك أنها تشهد أن [ ص: 113 ] هذا الذي في يده قد باعها منه بعدما كانت له في قولهم جميعا .
قال وإذا كانت الأمة في يد رجل ، فأقام رجل البينة أنه اشتراها من هذا الذي في يده بألف درهم ونقده الثمن ، وأقامت الخادم البينة أن مولاها الذي هي في يديه أعتقها البتة ، ولم توقت واحدة من البينتين وقتا ، أوقف أمرها حتى يعلم العتق كان قبل الشراء وإن وقتت البينتان فكانت (بينة) العتق أولا : كانت حرة وبطل الشراء ورجع بالثمن ، وإن كان الشراء أولا بطل العتق ، ولو وقتت بينة العتق ولم توقت بينة الشراء أو وقتت بينة الشراء ولم توقت بينة العتق وقف أمرها ، ولو قامت بينة بالتدبير مكان العتق كان الشراء جائزا وبطل التدبير ؛ لأن المدبر يباع وقد باع النبي صلى الله عليه وسلم مدبرا هذا قول أبو بكر : وبه نقول . وقال أبي ثور : وإذا كان المشتري قد قبض الجارية فإن كانت عند المعتق يشهد أن مولاها أعتقها قبل البيع أبطلنا البيع وأمضينا العتق ، وإن لم يوقت وقتين كانت للمشتري ، لأنها في يده ، ولا يكون عتق البائع إذا كان الشيء في يد المشتري مما يبطل ملك المشتري ، وذلك أني لا أعلم بينهم اختلافا في رجل باع جارية ثم قال بعدما باعها أنها ابنته ، أن قوله ذلك باطل ، ولا يبطل ملك المشتري . فإذا كانت السلعة في يد المشتري لم تخرج من يده بشيء فعله البائع إلا أن [ ص: 114 ] يشهد الشهود أنه فعله قبل البيع . وقال أبو ثور النعمان : أجعلها حرة [و ] أبطل الشراء ، وأرد المشتري على البائع بالثمن . ولو وقتت البينتان وقتا فكان العتق أولا أنفذت العتق وأبطلت الشراء ، وإن كان الشراء أولا كان جائزا والعتق باطل ، ولو وقت بينة الشراء وقتا ، ولم يوقت بينة العتق أبطلت الشراء وأمضيت العتق والتدبير في جميع ذلك مثل العتق البتات ، وإذا كان المشتري قد قبض ، فالشراء أولى من العتق ومن التدبير إلا أن تقوم بينة أن العتق أولا أو يوقتوا وقتا يعرف أنه أول ، وهذا قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف ، ومحمد ، وقالوا جميعا : وإذا كانت الدار في يد رجل ، أو الأمة ، أو الأرض ، فأقام رجل عليها البينة أنه وهبها له وقبضها ببينة ، وأقام الذي هي في يده البينة على المدعي بمثل ذلك فإنها للذي هي في يده . وكذلك الصدقة في هذا ، والنحل والعطية ، والعمرى ، وكان يقول : وإذا ادعى رجل أنه اشترى هذه (الأمة من فلان بألف درهم ونقده الثمن ، وأنه أعتقها وأقام على ذلك بينة) والأمة في يد فلان ، وأقام الآخر البينة أنه اشتراها من فلان الذي هي في يده بألف درهم ، ونقده الثمن . فإن وقتت البينتان فهي للأول منهما ، وإن لم توقت أوقف أمرها حتى يعلم لمن هي منهما ، ويرد الثمن عليهما إذا كان قبضه منهما حتى يعلم لمن هي فيكون عليه بالثمن . [ ص: 115 ] أبو ثور
وقال أصحاب الرأي : صاحب العتق أولا يقضى بالخادم له ، ويرد البائع على الآخر الثمن ، وكذلك العتق على مال والتدبير ؛ لأن العتق ها هنا بمنزلة القبض .
قال وإذا اختصم رجلان في دابة ، أو بقرة ، أو شاة ، أو بعير ، أو ثوب ، أو عبد ، أو أمة ، أو عرض ما كان من العروض كائنا ما كان وهو قائم بعينه ، فإن ادعى أحدهما على صاحبه أمر الذي يدعي عليه بإحضار ما ادعى عليه من ذلك ، فإذا أحضر سأله القاضي عما ادعى عليه من ذلك فإن أنكر حلف ، وإن نكل عن اليمين حلف المدعى عليه ، وكان الشيء له ، وإن كان الشيء في أيديهما تداعيانه ، ولم يكن لهما بينة استحلف كل واحد منهما لصاحبه ، فإن حلفا فالشيء في أيديهما على ما كان ، فإن استهلكه أحدهما استحلف على دعوى صاحبه أنه لم يستهلك له هذا العبد أو السلعة التي يدعي فإن حلف برئ ، وإن نكل حلف الآخر ولزمه ما استهلك . وكان القول في القيمة قول الذي استهلك الشيء ، أو يقيم المدعي البينة على قيمة ما استهلك له ، وكذلك لو استهلكه غيرهما ، هذا قول أبو بكر : . وقال أصحاب الرأي : ينبغي للقاضي أن لا يسمع من واحد منهما حتى يحضر الشيء الذي اختصما فيه بعينه إلا أن يكون أحدهما قد استهلكه ، والآخر يدعي أنه له أو استهلكه غيرهما وكل واحد منهما يدعي أنه له ، فإذا وقع الأمر على هذا قبلت منهما البينة ، لأنه مستهلك . [ ص: 116 ] أبي ثور
واختلفوا في فكان الرجلين يختصمان إلى القاضي في عبد وكل واحد منهما يدعيه متعلق به يقول : هو عبدي وفي يدي ، وهو في أيديهما جميعا ، وهو صغير لا يتكلم يقول : يسألان البينة على ما يدعي كل واحد منهما ، فإن أقام أحدهما البينة أنه عبده ولم يكن للآخر بينة فهو له ، وإن لم تقم لهما بينة أحلف كل واحد منهما لصاحبه ، فإذا حلفا فهو في أيديهما على ما كان ، وإن حلف أحدهما ، ولم يحلف الآخر قيل للذي حلف : احلف أن هذا عبدك وخذه ، وإن كان العبد كبيرا قيل للعبد : من مولاك منهما ؟ فإن أقر أنه عبد لواحد منهما كان عبده ودفع إليه ، ومنع الآخر منه . أبو ثور
وقال أصحاب الرأي : إن لم تقم لهما بينة فهو في أيديهما نصفين على حاله ، ولو كان العبد كبيرا يتكلم ، فقال : أنا عبد أحدهما ، فإنه لا يصدق في قول النعمان ويعقوب ومحمد وهو عبد لهما ، وقال النعمان : لو كان العبد في يد رجل ، فأقر أنه عبد لرجل آخر ، والذي هو في يديه يقول : هو عبدي ، فالقول قول الذي هو في يديه ولا يصدق العبد على ما قال . واحتج بأن الشخص المدعي لو قال : أنا حر كان القول قوله إلا أن تقوم بينة بخلاف ما قال ، فإذا كان هذا قولهم ، وقبلوا قوله : إني حر ، ثم لا يقبلوا قوله أنه عبد لأحدهما دون الآخر . [ ص: 117 ] أبو ثور