[ ص: 337 ] الباب الثالث : في العموم
وفيه ثلاثون مسألة
المسألة الأولى : في حده
وهو في اللغة : شمول أمر لمتعدد سواء كان الأمر لفظا أو غيره ، ومنه قولهم : عمهم الخير إذا شملهم وأحاط بهم .
وأما حده في الاصطلاح : فقال في المحصول : هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد ، كقوله " الرجال " فإنه مستغرق لجميع ما يصلح له ، ولا تدخل عليه النكرات ، كقولهم " رجل " لأنه يصلح لكل واحد من رجال الدنيا ، ولا يستغرقهم ، ولا التثنية ، ولا الجمع ; لأن لفظ " رجلان " و " رجال " يصلح لكل اثنين وثلاثة ، ولا يفيدان الاستغراق ، ولا ألفاظ العدد كقولنا : خمسة ; لأنه يصلح لكل خمسة ، ولا يستغرقه . وقولنا : بحسب وضع واحد احتراز عن اللفظ المشترك ، والذي له حقيقة ومجاز ، فإن عمومه لا يقتضي أن يتناول مفهوميه معا . انتهى .
وقد سبقه إلى بعض ما ذكره في هذا الحد أبو الحسين البصري ، فقال : العام هو اللفظ المستغرق لما يصلح له .
ورد عليه المشترك إذا استغرق جميع أفراد معنى واحد ، واندفع الاعتراض عنه بزيادة قيد " بوضع واحد " ثم ورد عليه نحو عشرة ومائة ونحوهما ; لأنه يستغرق ما يصلح له من المتعدد الذي يفيده ، وهو معنى الاستغراق .
ودفع بمثل ما ذكره في المحصول .
وقال : هو مساواة بعض ما تناوله البعض . أبو علي الطبري
[ ص: 338 ] واعترض عليه بلفظ التثنية فإن أحدهما مساو للآخر وليس بعام ، وقال : أقل العموم شيئان كما أن الخصوص واحد ، وكأنه نظر إلى المعنى اللغوي ، وهو الشمول ، والشمول حاصل في التثنية ، وإلا فمن المعلوم أن التثنية لا تسمى عموما ، لا سيما إذا قلنا : أقل الجمع ثلاثة ، فإذا سلب عن التثنية أقل الجمع فسلب العموم عنها أولى . القفال الشاشي
وقال المازري : العموم عند أئمة الأصول : هو القول المشتمل على شيئين فصاعدا ، والتثنية عندهم عموم لما يتصور فيها من معنى الجمع ، والشمول الذي لا يتصور في الواحد ، ولا يخفى ما يرد عليه .
وقال : هو اللفظ الواحد الدال من جهة واحدة على شيئين فصاعدا . الغزالي
واعترض عليه : أنه ليس بجامع ، ولا مانع .
أما كونه ليس بجامع ; فلخروج لفظ المعدوم والمستحيل ، فإنه عام ومدلوله ليس بشيء ، وأيضا الموصولات مع صلاتها من جملة العام ، وليست بلفظ واحد .
وأما أنه ليس بمانع ; فلأن كل مثنى يدخل في الحد مع أنه ليس بعام ، وكذلك كل جمع لمعهود ، وليس بعام .
وقد أجيب عن الأول : بأن المعدوم والمستحيل شيء لغة ، وإن لم يكن شيئا في الاصطلاح .
وعن الثاني : بأن الموصولات هي التي ثبت لها العموم .
وقال : اشتهر من كلام الفقهاء أن العموم هو اللفظ المستغرق ، وليس كذلك ; لأن الاستغراق عموم وما دونه عموم ، وأقل العموم اثنان . ابن فورك
وقال : إن العام هو ما دل على مسميات باعتبار أمر اشتركت فيه مطلقا ضربة ، فقوله : ( ما دل ) جنس وقوله : ( على مسميات ) يخرج نحو زيد ، وقوله : ( باعتبار أمر اشتركت فيه ) يخرج نحو ( عشرة ) فإن العشرة دلت على آحاد ، لا باعتبار أمر اشتركت فيه ; لأن آحاد العشرة أجزاء العشرة لا جزئياتها ، فلا يصدق على واحد واحد أنه عشرة ، وقوله ( مطلقا ) ليخرج المعهود ، فإنه يدل على مسميات باعتبار ما اشتركت فيه مع قيد خصصه بالمعهودين ، وقوله ( ضربة ) أي دفعة واحدة ، ليخرج نحو ( رجل ) [ ص: 339 ] مما يدل على مفرداته بدلا لا شمولا . ابن الحاجب
ويرد عليه : خروج نحو " علماء البلد " مما يضاف من العمومات إلى ما يخصصه مع أنه عام قصد به الاستغراق ، ووجه ورود ذلك عليه من حيث اعتباره في التعريف لقيد الإطلاق ، مع أن العام المضاف قد قيد بما أضيف هو إليه .
وأجيب : بأن الذي اشتركت المسميات فيه هو علماء البلد مطلقا ، لا العلماء ، وعالم البلد لم يتقيد بقيد ، وإنما قيد العلماء ، فأورد عليه أيضا أنه قد اعتبر الإفراد في العام ، وعلماء البلد مركب .
وأجيب : بأن العام إنما هو المضاف من حيث أنه مضاف إليه خارج .
وأورد عليه الجمع المنكر ، كرجال . فإنه يدل على مسميات ، وهي آحاده باعتبار ما اشتركت فيه ، وهو مفهوم رجل مطلقا لعدم العهد ، وليس بعام عند من يشترط الاستغراق .
وقد أورد على المعتبرين للاستغراق في حد العام مطلقا ، مفردا كان أو جمعا أن دلالته على الفرد تضمينه ، إذ ليس الفرد مدلولا مطابقيا ; لأن المدلول المطابقي هو مجموع الأفراد المشتركة في المفهوم المعتبر فيه على ما صرحوا به ، ولا خارجا ، ولا لازما ، ولا يمكن جعله - أي الفرد - مما يصدق عليه العام لصيرورته بمنزلة كلمة واحدة في اصطلاح العلماء ، وليس مما يصدق على إفراده بدلا ، بل شمولا ، ولا يلزم من تعليقه بالكل تعليقه بكل جزئي .
وأجيب : بأنه يلزم من تعليقه بالكل تعليقه بالجزء لزوما لغويا لا عقليا ، وأن ذلك مما يكفي في الرسوم وفيه نظر .
وإذا عرفت ما قيل في حد العام علمت أن أحسن الحدود المذكورة هو ما قدمنا عن صاحب المحصول ، لكن مع زيادة قيد " دفعة " ، فالعام هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد دفعة .