أقسام الآحاد
واعلم أن الآحاد تنقسم إلى أقسام :
فمنها خبر الواحد ، وهو هذا الذي تقدم ذكره .
والقسم الثاني : ، وهو ما رواه ثلاثة فصاعدا ، وقيل : ما زاد على الثلاثة ، وقال المستفيض أبو إسحاق الشيرازي : اثنان ، قال : أقل ما تثبت به الاستفاضة السبكي : والمختار عندنا أن المستفيض ما يعده الناس شائعا .
القسم الثالث : وهو ما اشتهر ، ولو في القرن الثاني ، أو الثالث ، إلى حد ينقله ثقات ، لا يتوهم تواطؤهم على الكذب ، ولا يعتبر الشهرة بعد القرنين . المشهور
[ ص: 176 ] هكذا قال الحنفية ، فاعتبروا التواتر في بعض طبقاته ، وهي الطبقة التي روته في القرن الثاني ، أو الثالث فقط ، ، لصدقهما على ما رواه الثلاثة فصاعدا ، ولم يتواتر في القرن الأول ، ثم تواتر في أحد القرنين المذكورين ، وانفراد المستفيض إذا لم ينته في أحدهما إلى التواتر ، وانفراد المشهور فيما رواه اثنان في القرن الأول ، ثم تواتر في الثاني والثالث ، وجعل الجصاص المشهور قسما من المتواتر ، ووافقه جماعة من أصحاب الحنفية ، وأما جمهورهم فجعلوه قسيما للمتواتر ، لا قسما منه كما تقدم . فبينه وبين المستفيض عموم وخصوص من وجه
واعلم أن الخلاف الذي ذكرناه في أول هذا البحث من إفادة خبر الآحاد الظن أو العلم - مقيد بما إذا كان خبر واحد لم ينضم إليه ما يقويه ، وأما إذا انضم إليه ما يقويه ، أو كان مشهورا ، أو مستفيضا ، فلا يجري فيه الخلاف المذكور ، ولا نزاع في أن خبر الواحد إذا وقع الإجماع على العمل بمقتضاه ، فإنه يفيد العلم ; لأن الإجماع عليه قد صيره من المعلوم صدقه ، وهكذا خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول ، فكانوا بين عامل به ومتأول له .
ومن هذا القسم أحاديث صحيحي البخاري ومسلم فإن الأمة تلقت ما فيهما بالقبول ، ومن لم يعمل بالبعض من ذلك ، فقد أوله ، والتأويل فرع القبول ، والبحث مقرر بأدلته في غير هذا الموضع .
قيل : ومن خبر الواحد المعلوم صدقه أن يخبر به في حضور جماعة هي نصاب التواتر ، ولم يقدحوا في روايته ، مع كونهم ممن يعرف علم الرواية ، ولا مانع يمنعهم من القدح في ذلك ، وفي هذا نظر .
[ ص: 177 ] واختلفوا في ، فقيل يفيد العلم ، وقيل : لا يفيده ، وهذا خلاف لفظي ; لأن القرائن إن كانت قوية بحيث يحصل لكل عاقل عندها العلم ، كان من المعلوم صدقه ( وإلا فلا ، فلا وجه لما قاله الأكثرون من أنه لا يحصل العلم به لا بالقرائن ولا بغيرها ، ومن المعلوم صدقه ) أيضا إذا أخبر مخبر بحضرته صلى الله عليه وآله وسلم بخبر يتعلق بالأمور الدينية ، وسمعه صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم ينكر عليه إلا إذا كان الخبر يتعلق بغير الأمور الدينية . خبر الواحد المحفوف بالقرائن