[ ص: 172 ] القسم الثاني : الآحاد
وهو خبر لا يفيد بنفسه العلم سواء كان لا يفيده أصلا ، أو يفيده بالقرائن الخارجة عنه ، فلا واسطة بين المتواتر والآحاد . وهذا قول الجمهور .
وقال : إن أحمد بن حنبل يفيد بنفسه العلم ، وحكاه خبر الواحد في كتاب الأحكام عن ابن حزم داود الظاهري والحسين بن علي الكرابيسي . قال : وبه نقول . والحارث المحاسبي
وحكاه ابن خويز منداد عن ، واختاره ، وأطال في تقريره ، ونقل الشيخ في التبصرة عن بعض أهل الحديث أن منها ما يوجب العلم ، كحديث مالك بن أنس مالك عن نافع عن وما أشبهه ، وحكى صاحب المصادر عن ابن عمر أنه يوجب العلم الظاهر . أبي بكر القفال
وقيل في تعريفه : هو ما لم ينته بنفسه إلى التواتر ، سواء كثر رواته ، أو قلوا ، وهذا [ ص: 173 ] كالأول في نفي الواسطة بين التواتر والآحاد .
وقيل في تعريفه : هو ما يفيد الظن ، واعترض عليه بما لم يفد الظن من الأخبار .
ورد : بأن الخبر الذي لا يفيد الظن ، لا يراد دخوله في التعريف ، إذ لا يثبت به حكم ، والمراد تعريف ما يثبت به الحكم .
وأجيب عن هذا الرد : بأن الحديث الضعيف الذي لم ينته تضعيفه إلى حد يكون به باطلا موضوعا يثبت به الحكم ، مع كونه لا يفيد الظن .
ويرد هذا الجواب : بأن الضعيف الذي يبلغ ضعفه إلى حد لا يحصل معه الظن لا يثبت به الحكم ، ولا يجوز الاحتجاج به في إثبات شرع عام ، وإنما يثبت الحكم بالصحيح ، والحسن لذاته أو لغيره ، لحصول الظن بصدق ذلك ، وثبوته عن الشارع .
وقد ذهب الجمهور إلى وجوب العمل بخبر الواحد ، وأنه وقع التعبد به ، وقال القاساني والرافضة وابن داود : لا يجب العمل به ، وحكاه الماوردي عن الأصم وقال : إنهما قالا لا يقبل خبر الواحد في السنن والديانات ، ويقبل في غيره من أدلة الشرع . وابن علية
[ ص: 174 ] وحكى الجويني في شرح الرسالة عن هشام والنظام أنه لا يقبل خبر الواحد إلا بعد قرينة تنضم إليه ، وهو علم الضرورة ، بأن يخلق الله في قلبه ضرورة الصدق ، وقال : وإليه ذهب ، قال بعد حكاية هذا عنه : فإن تاب ، فالله يرحمه ، وإلا فهو مسألة التكفير ; لأنه إجماع فمن أنكره يكفر . أبو الحسين بن اللبان الفرضي
قال ابن السمعاني : واختلفوا - يعني القائلين بعدم وجوب العمل بخبر الواحد - في المانع من القبول ، فقيل : منع منه العقل ، وينسب إلى ابن علية والأصم .
وقال القاساني من أهل الظاهر ، والشيعة : منع منه الشرع ، فقالوا : إنه لا يفيد إلا الظن ، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا .
ويجاب عن هذا : بأنه عام مخصص ، لما ثبت في الشريعة من العلم بأخبار الآحاد .
ثم اختلف الجمهور في طريق إثباته ، فالأكثر منهم قالوا : يجب بدليل السمع .
وقال ، أحمد بن حنبل والقفال وابن شريح وأبو الحسين البصري من المعتزلة من وأبو جعفر الطوسي الإمامية والصيرفي من الشافعية : إن الدليل العقلي دل على وجوب العمل ; لاحتياج الناس إلى معرفة بعض الأشياء من جهة الخبر الوارد عن الواحد .
وأما دليل السمع : فقد استدلوا من الكتاب بمثل قوله تعالى : إن جاءكم فاسق بنبإ وبمثل قوله تعالى : فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة .
ومن السنة بمثل قصة أهل قباء ، لما أتاهم واحد فأخبرهم أن القبلة قد تحولت فتحولوا ، وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلم ينكر عليهم .
وبمثل بعثه صلى الله عليه وآله وسلم لعماله واحدا بعد واحد ، وكذلك بعثه [ ص: 175 ] بالفرد من الرسل يدعو الناس إلى الإسلام .
، وشاع ذلك وذاع ولم ينكره أحد ، ولو أنكره منكر لنقل إلينا ، وذلك يوجب العلم العادي باتفاقهم ، كالقول الصريح . ومن الإجماع بإجماع الصحابة والتابعين على الاستدلال بخبر الواحد
قال ابن دقيق العيد : ومن تتبع أخبار النبي والصحابة والتابعين وجمهور الأمة ما عدا هذه الفرقة اليسيرة علم ذلك قطعا انتهى .
وعلى الجملة فلم يأت من خالف في العمل بخبر الواحد بشيء يصلح للتمسك به ، ومن تتبع عمل الصحابة من الخلفاء وغيرهم وعمل التابعين فتابعيهم بأخبار الآحاد ، وجد ذلك في غاية الكثرة ، بحيث لا يتسع له إلا مصنف بسيط ، وإذا وقع من بعضهم التردد في العمل به في بعض الأحوال ، فذلك لأسباب خارجة عن كونه خبرا واحدا من ريبة في الصحة ، أو تهمة للراوي ، أو وجود معارض راجح ، أو نحو ذلك .