ذكرها بعض الصوفية وحكى الماوردي ، في باب القضاء في والروياني ، خلافا ، وفرعا عليه أن حجية الإلهام ، ( فإن قلنا : يصح جعله دليلا شرعيا جوزنا الانعقاد لا عن دليل ) وإلا فلا . الإجماع هل يجوز انعقاده لا عن دليل
قال الزركشي في البحر : وقد اختار جماعة من المتأخرين اعتماد الإلهام ، منهم الإمام في تفسيره في أدلة القبلة ، في فتاويه ، فقال : إلهام خاطر الحق من الحق . وابن الصلاح
قال : ومن علامته أن ينشرح له الصدر ، ولا يعارضه معارض ( من خاطر آخر ) .
قال في كتاب التذكرة في أصول الدين : ذهب بعض أبو علي التميمي : الصوفية إلى أن المعارف تقع اضطرارا للعباد على سبيل الإلهام بحكم وعد الله سبحانه وتعالى ، بشرط التقوى ، واحتج بقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا أي ما تفرقون به بين الحق والباطل ، وقوله تعالى : ومن يتق الله يجعل له مخرجا أي عن كل ما يلتبس على غيره وجه الحكم فيه ، وقوله تعالى : واتقوا الله ويعلمكم الله .
فهذه العلوم الدينية تحصل للعباد إذا زكت أنفسهم ، وسلمت قلوبهم لله تعالى ، بترك المنهيات ، وامتثال المأمورات إذ خبره صدق ووعده حق .
[ ص: 710 ] واحتج على الإلهام بقوله تعالى : شهاب الدين السهروردي وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه وبقوله : وأوحى ربك إلى النحل فهذا الوحي هو مجرد الإلهام .
ثم إن من الإلهام علوما تحدث في النفوس الزكية المطمئنة ، قال - صلى الله عليه وآله وسلم - :
إن من أمتي لمحدثين ومتكلمين ، وإن عمر لمنهم وقال تعالى : ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها فأخبر أن النفوس ملهمة .
( قلت ) : وهذا الحديث الذي ذكره هو ثابت في الصحيح بمعناه ، قال ابن وهب في تفسير الحديث : أي ملهمون ، ولهذا قال صاحب نهاية الغريب : جاء في الحديث تفسيره أنهم الملهمون ، والملهم هو الذي يلقى في نفسه الشيء ، فيخبر به حدسا وفراسة ، وهو نوع يخص به الله من يشاء من عباده ، كأنهم حدثوا بشيء فقالوه .
[ ص: 711 ] وأما قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - فذلك في الواقعة التي تتعارض فيها الأدلة . استفت قلبك ، وإن أفتاك الناس
قال واستفتاء القلب إنما هو حيث أباح المفتي ، أما حيث حرم فيجب الامتناع . ثم لا نقول على كل قلب ، فرب قلب موسوس ، ينفي كل شيء ، ورب [ قلب ] متساهل ، يطير إلى كل شيء ، فلا اعتبار بهذين القلبين ، وإنما الاعتبار بقلب العالم الموفق لدقائق الأحوال ، فهو المحك الذي يمتحن به حقائق الأمور ، وما أعز هذا القلب . الغزالي :
قال البيهقي في شعب الإيمان : هذا محمول على أنه يعرف في منامه من عالم الغيب ما عسى أن يحتاج إليه ، أو يحدث على لسان ملك بشيء من ذلك ، كما ورد في بعض طرق الحديث بلفظ : " وكيف يحدث ؟ قال : يتكلم الملك على لسانه " .
وقد روي عن إبراهيم بن سعد أنه قال في هذا الحديث يعني : يلقي في روعه .
قال القفال : لو تثبت العلوم بالإلهام لم يكن للنظر معنى ، ونسأل القائل بهذا عن دليله ، فإن احتج بغير الإلهام فقد ناقض قوله انتهى .
ويجاب عن هذا الكلام : بأن مدعي الإلهام لا يحصر الأدلة في الإلهام ، حتى يكون استدلاله بغير الإلهام مناقضا لقوله ، نعم إن استدل على إثبات الإلهام بالإلهام ، كان في ذلك مصادرة على المطلوب ; لأنه استدل على محل النزاع بمحل النزاع .
[ ص: 712 ] ثم على تقدير الاستدلال لثبوت الإلهام بمثل ما تقدم من الأدلة ، من أين لنا أن دعوى هذا الفرد لحصول الإلهام له صحيحة ، وما الدليل على أن قلبه من القلوب التي ليست بموسوسة ولا بمتساهلة .