وهو ، ولو في صورة واحدة ، فإن اعترف المستدل بذلك كان نقضا صحيحا ، عند من يراه قادحا ، وأما من لم يره قادحا; فلا يسميه نقضا ، بل يجعله من باب تخصيص العلة . تخلف الحكم مع وجود العلة
وقد بالغ أبو زيد في الرد على من يسميه نقضا .
; لأن العلة إما منصوصة قطعا ، أو ظنا ، أو مستنبطة ، وتخلف الحكم عنها إما لمانع ، أو فوات شرط ، أو بدونهما . وينحصر النقض في تسع صور
وقد اختلف الأصوليون في هذا الاعتراض على مذاهب :
( الأول ) : أنه يقدح في الوصف المدعى علة مطلقا ، سواء كانت منصوصة أو مستنبطة ، وسواء كان تخلف الحكم لمانع أو لا لمانع ، وهو مذهب المتكلمين ، وهو اختيار أبي الحسين البصري ، والأستاذ أبي إسحاق ، وأكثر أصحاب والفخر الرازي ، ونسبوه إلى الشافعي ، ورجحوا أنه مذهبه . الشافعي
( المذهب الثاني ) : أنه لا يقدح مطلقا في كونها علة فيما وراء النقض ، ويتعين بتقدير مانع ، أو تخلف شرط ، وإليه ذهب أكثر أصحاب أبي حنيفة ، مالك وأحمد .
( المذهب الثالث ) : أنه لا يقدح في المنصوصة ، ويقدح في المستنبطة ، حكاه عن المعظم ، فقال : ذهب معظم الأصوليين إلى أن النقض يبطل العلة المستنبطة . إمام الحرمين
وقال في المحصول : زعم الأكثرون أن علية الوصف إذا ثبتت بالنص لم يقدح التخصيص في عليته .
( المذهب الرابع ) : أنه يقدح في المنصوصة دون المستنبطة ، عكس الذي قبله ، حكاه بعض أهل الأصول ، وهو ضعيف جدا .
[ ص: 649 ] ( المذهب الخامس ) : أنه لا يقدح في المستنبطة إذا كان لمانع أو عدم شرط ، ويقدح في المنصوصة ، حكاه ، وقد أنكروه عليه ، وقالوا لعله فهم ذلك من كلام ابن الحاجب ، وفي كلام الآمدي ما يدفعه . الآمدي
( المذهب السادس ) : أنه لا يقدح حيث وجد مانع مطلقا ، سواء كانت العلة منصوصة أو مستنبطة ، فإن لم يكن مانع قدح ، واختاره البيضاوي ، والصفي الهندي .
( المذهب السابع ) : أنه يقدح في المستنبطة في صورتين ، إذا كان التخلف لمانع ، أو انتفاء شرط ، ولا يقدح في صورة واحدة ، وهي ما إذا كان التخلف بدونهما .
وأما المنصوصة : فإن كان النص ظنيا ، وقدر مانع ، أو فوات شرط; جاز ، وإن كان قطعيا لم يجز ، أي لم يكن وقوعه; لأن الحكم لو تخلف الدليل .
وحاصله : أنه لا يقدح في المنصوصة إلا بظاهر عام ، ولا يقدح في المستنبطة إلا لمانع ، أو فقد شرط ، واختاره وهو قريب من كلام ابن الحاجب . الآمدي
( المذهب الثامن ) : أنه يقدح في علة الوجوب والحل ، دون علة الحظر ، حكاه القاضي عن بعض المعتزلة .
( المذهب التاسع ) : أنه يقدح إن انتقضت على أصل من جعلها علة ، ولم يلزمه الحكم بها ، وإن اطردت على أصله ألزم ، حكاه الأستاذ أبو إسحاق عن بعض المتأخرين ، قال : وهو من حشو الكلام ، لولا أنه أودع كتابا مستعملا لكان تركه أولى .
( المذهب العاشر ) : إن كانت العلة مؤثرة لم يرد النقض عليها; لأن تأثيرها لا يثبت إلا بدليل مجمع عليه ، ومثله لا ينقض ، حكاه ابن السمعاني عن أبي زيد ، ورده بأن النقض يفيد عدم تأثير العلة .
( المذهب الحادي عشر ) : إن كانت العلة مستنبطة ، فإن اتجه فرق بين محل التعليل ، وبين صورة النقض بطلت عليته; لكون المذكور أولا جزءا من العلة ، وليست علة تامة ، وإن لم يتجه فرق بينهما ، فإن لم يكن الحكم مجمعا عليه ، أو ثابتا بمسلك سمعي بطلت عليته ، وإلا فلا ، واختاره إمام الحرمين الجويني .
[ ص: 650 ] ( المذهب الثاني عشر ) : إن وله ثلاث صور : تخلف الحكم عن العلة
( الصورة الأولى ) : أن يعرض في جريان العلة ما يقتضي عدم اطرادها ، فإنه يقدح .
( الثانية ) : أن تنتفي العلة لا لخلل في نفسها ، لكن لمعارضة علة أخرى ، فهذه لا تقدح .
( الثالثة ) : أن يتخلف الحكم لا لخلل في ركن العلة ، لكن لعدم مصادفتها محلها ، أو شرطها ، فلا يقدح ، وهذا اختيار ، وفي كلامه طول . الغزالي
( المذهب الثالث عشر ) : إن كان فلا يقدح; لأن الدليل قد يكون صحيحا في نفسه ، وينقضه المستدل ، فلا يكون نقضه دليلا على فساده; لأنه قد ينقضه على أصله ، ويكون أصل غيره مخالفا له ، وإن كان النقض من جهة المعترض قدح ، حكاه الأستاذ النقض من جهة المستدل أبو منصور .
( المذهب الرابع عشر ) : أن ; لم يقدح في عليته ، وإن كان التخلف لا لمانع قدح ، حكاه صاحب المحصول ونسبه إلى الأكثرين . علية الوصف إن ثبتت بالمناسبة ، أو الدوران ، وكان النقض بتخلف الحكم عنها لمانع
( المذهب الخامس عشر ) : أن الخلاف في هذه المسألة لفظي; لأن العلة إن فسرت بالموجبة ، فلا يتصور عليتها مع الانتقاض ، وإن فسرت بالمعرفة ، فيتصور عليتها مع الانتقاض ، وهذا رجحه ، الغزالي والبيضاوي ، وابن الحاجب ، وفيه نظر ، فإن الخلاف معنوي ، لا لفظي ، على كل حال .
قال الزركشي في البحر : واعلم أنه إذا قال المعترض : ما ذكرت من العلة منقوض بكذا ، فللمستدل أن يقول : لا نسلم ، ويطالبه بالدليل على وجودها في محل النقض ، وهذه المطالبة مسموعة بالاتفاق انتهى .
قال الأصفهاني : لا يشترط في القيد الدافع للنقض أن يكون مناسبا ، بل غير المناسب مقبول مسموع اتفاقا ، والمانعون من التعليل بالشبه يوافقون على ذلك .
وقال في المحصول : هل يجوز دفع النقض بقيد طردي ، أما الطاردون فقد جوزوه [ ص: 651 ] وأما منكرو الطرد فمنهم من جوزه ، والحق أنه لا يجوز; لأن أحد أجزاء العلة إذا لم يكن مؤثرا; لم يكن مجموع العلة مؤثرا ، وهكذا قال في هذا البرهان ، ثم اختار التفصيل بين أن يكون القيد الطردي يشير إلى مسألة تفارق مسألة النزاع بفقه ، فلا يجوز نقض العلة ، وإلا فلا يفيد الاحتراز عنه ، قال : ولو فرض التقييد باسم غير مشعر بفقه ، ولكن مباينة المسمى به لما عداه مشهورة بين النظار ، فهل يكون التقييد بمثله تخصيصا للعلة ؟ اختلف فيه الجدليون ، والأقرب تصحيحه; لأنه اصطلاح . إمام الحرمين