المسألة الموفية ثلاثين : في الفرق بين العام المخصوص ، والعام الذي أريد به الخصوص
قال الشيخ أبو حامد في تعليقه في كتاب البيع : والفرق بينهما أن الذي أريد به الخصوص ، ما كان المراد أقل ، وما ليس بمراد هو الأكثر .
وقال : العام المخصوص المراد به هو الأكثر ، وما ليس بمراد هو الأقل ، قال : ويفترقان أن العام الذي أريد به الخصوص لا يصح الاحتجاج بظاهره ، والعام المخصوص يصح الاحتجاج بظاهره اعتبارا بالأكثر . أبو علي بن أبي هريرة
وقال الماوردي في الحاوي : الفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن العام المخصوص ما يكون المراد باللفظ أكثره ، وما ليس المراد باللفظ أقل ، والعام الذي أريد به الخصوص ، ما يكون المراد باللفظ أقل ، وما ليس بمراد باللفظ أكثر .
والثاني : أن المراد فيما أريد به الخصوص متقدم على اللفظ ، وفيما أريد به العموم متأخر عن اللفظ أو مقترن به .
وقال ابن دقيق العيد في شرح العنوان : يجب أن يتنبه للفرق بين قولنا : هذا عام أريد به الخصوص ، وبين قولنا : هذا عام مخصوص ، فإن الثاني أعم من الأول ، ألا ترى أن المتكلم إذا أراد باللفظ أولا ما دل عليه ظاهر العموم ، ثم أخرج بعد ذلك بعض ما دل عليه اللفظ ، كان عاما مخصوصا ، ولم يكن عاما أريد به الخصوص ، ثم يقال : إنه منسوخ بالنسبة إلى البعض الذي أخرج ، وهذا متوجه إذا قصد العموم ، بخلاف ما إذا نطق بالعام مريدا به بعض ما يتناوله .
[ ص: 404 ] قال الزركشي : وفرق بعض الحنابلة بينهما بوجهين آخرين :
أحدهما : أن المتكلم إذا أطلق اللفظ العام ، فإن أراد به بعضا معينا ، فهو العام الذي أريد به الخصوص ، وإن أراد سلب الحكم عن بعض منه ، فهو العام المخصوص .
مثاله : قام الناس ، فإذا أردت إثبات القيام لزيد مثلا لا غير ، فهو عام أريد به الخصوص ، وإن أردت به سلب القيام عن زيد فهو عام مخصوص .
والثاني : أن العام الذي أريد به الخصوص إنما يحتاج إلى دليل معنوي يمنع إرادة الجميع فيتعين له البعض ، والعام المخصوص يحتاج إلى تخصيص اللفظ غالبا ، كالشرط ، والاستثناء ، والغاية .
قال : وفرق بعض المتأخرين بأن العام الذي أريد به الخصوص : هو أن يطلق العام ، ويراد به بعض ما يتناوله ، وهو مجاز قطعا ; لأنه استعمال اللفظ في بعض مدلوله ، وبعض الشيء غيره ، قال : وشرط الإرادة في هذا أن تكون مقارنة لأول اللفظ ، ولا يكفي طردها في أثنائه ; لأن المقصود منها نقل اللفظ عن معناه إلى غيره ، واستعماله في غير موضعه ، وليست الإرادة فيه إخراجا لبعض المدلول ، بل إرادة استعمال اللفظ في شيء آخر غير موضعه ، كما يراد باللفظ مجازه .
وأما العام المخصوص ، فهو العام الذي أريد به معناه مخرجا منه بعض أفراده فلا يشترط مقارنتها لأول اللفظ ، ولا تأخرها عنه ، بل يكفي كونها في أثنائه كالمشيئة في الطلاق .
وهذا موضع خلافهم في أن العام المخصوص مجاز أو حقيقة .
ومنشأ التردد : أن إرادة إخراج بعض المدلول هل يصير اللفظ مرادا به الباقي أو لا ؟ .
وهو يقوي كونه حقيقة ، لكن الجمهور على المجاز ، والنية فيه مؤثرة في نقل اللفظ عن معناه إلى غيره .
وقال : إذا أتى بصورة العموم ، والمراد به الخصوص ، فهو مجاز إلا في بعض المواضع ، إذا صار الأظهر الخصوص ، كقولهم : غسلت ثيابي ، وصرمت نخلي ، وجاءت بنو تميم ، وجاءت الأزد . انتهى . علي بن عيسى النحوي
[ ص: 405 ] قال الزركشي : وظن بعضهم أن الكلام في الفرق بينهما مما أثاره المتأخرون ، وليس كذلك ، فقد وقعت التفرقة بينهما في كلام ، وجماعة من أصحابنا في قوله تعالى : الشافعي وأحل الله البيع هل هو عام مخصوص أو عام أريد به الخصوص ؟ انتهى .
ولا يخفاك أن العام الذي أريد به الخصوص هو ما كان مصحوبا بالقرينة عن التكلم به على إرادة المتكلم به بعض ما يتناوله بعمومه ، وهذا لا شك في كونه مجازا لا حقيقة ; لأنه استعمال اللفظ في بعض ما وضع له سواء كان المراد منه أكثره أو أقله ، فإنه لا مدخل للتفرقة بما قيل من إرادة الأقل في العام الذي أريد به الخصوص ، وإرادة الأكثر في العام المخصوص .
وبهذا يظهر لك أن العام الذي أريد به الخصوص مجاز على كل تقدير ، وأما العام المخصوص فهو الذي لا تقوم قرينة عند تكلم المتكلم به ، على أنه أراد بعض أفراده ، فيبقى متناولا لأفراده على العموم ، وهو عند هذا التناول حقيقة فإذا جاء المتكلم بما يدل على إخراج البعض منه ، كان على الخلاف المتقدم هل هو حقيقة في الباقي أم مجاز ؟