المسألة الخامسة عشرة : في الخطاب الخاص بالأمة
الخطاب الخاص بالأمة نحو : يا أيها الأمة ، لا يشمل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، قال الصفي الهندي : بلا خلاف ، وكذا قال القاضي عبد الوهاب في كتاب الإفادة ، وأما إذا كان الخطاب بلفظ يشمل الرسول ، نحو : يا أيها الناس ، يا أيها الذين آمنوا ، يا عبادي فذهب الأكثرون إلى أنه يشمله ، وقال جماعة لا يشمله ، وقال أبو بكر الصيرافي والحليمي إن كان يتناوله بالقول نحو : قل ، فلا يشمله ، وإن لم يكن كذلك كان شاملا له ، واستنكر هذا التفصيل إمام ; لأن القول فيهما جميعا مسند إلى الله سبحانه ، والرسول مبلغ خطابه إلينا ، فلا معنى للتفرقة . الحرمين الجويني
وفصل بعض أهل الأصول بتفصيل آخر ، فقال إن كان الخطاب من الكتاب ، فهو مبلغ عن الله سبحانه مندرج تحت عموم الخطاب ، وإن كان من السنة فإما أن يكون مجتهدا أو لا ، فإن قلنا مجتهد فيرجع إلى أن المخاطب هل يدخل تحت الخطاب أم لا ؟ وإن لم يكن مجتهدا فهو مبلغ ، والمبلغ إذن داخل تحت الخطاب .
والحق أن الخطاب بالصيغة التي تشمله يتناوله بمقتضى اللغة العربية لا شك في ذلك ولا شبهة حيث كان الخطاب من جهة الله سبحانه وتعالى ، وإن كان الخطاب من جهته صلى الله عليه وآله وسلم فعلى الخلاف الآتي في دخول المخاطب في خطابه .
وما قيل من أنه لا فائدة في الخلاف في هذه المسألة مدفوع بظهور الفائدة في الخطابات العامة إذا فعل صلى الله عليه وآله وسلم ما يخالفها ، فإن قلنا أنه داخل في العموم كان فعله تخصيصا ، وإن قلنا : ليس بداخل لم يكن فعله مخصصا لذلك العموم ، بل يبقى على عمومه .
وأما الخطاب المختص بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم نحو : يا أيها الرسول ، [ ص: 377 ] و : يا أيها النبي فذهب الجمهور إلى أنه لا يدخل تحته الأمة إلا بدليل من خارج ، وقيل أنه يشمل الأمة ، روي ذلك عن أبي حنيفة ، وأحمد ، واختاره ، إمام الحرمين وابن السمعاني .
قال في المحصول : وهؤلاء إن زعموا أن ذلك مستفاد من اللفظ فهو جهالة ، وإن زعموا أنه مستفاد من دليل آخر ، وهو قوله وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ، وما يجري مجرى ذلك فهو خروج عن هذه المسألة ; لأن الحكم عندنا إنما أوجب على الأمة لا بمجرد الخطاب المتناول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط ، بل بالدليل الآخر . انتهى .
قال الزركشي : وما قالوه بعيد إلا أن يحمل على التعبير بالكبير عن أتباعه فيكون مجازا لا حقيقة .
وحكي عن أنه قال : إما أن ترد الصيغة في محل التخصيص أو لا ، فإن وردت فهو خاص ، وإلا فهو عام ; لأنا لم نجد دليلا قاطعا على التخصيص ، ولا على التعميم . انتهى . إمام الحرمين
ولا يخفاك ضعف هذا التفصيل وركاكة مأخذه ; لأن النزاع إنما هو في نفس الصيغة ، وهي خاصة بلا شك ، فورودها في محل التخصيص لا يزيدها تخصيصا باعتبار اللفظ ، وورودها في محل التعميم لا يوجب من حيث اللفظ أن تكون عامة ، فإن كان ذلك في حكم الدليل الدال على التعميم ، فهو غير محل النزاع .