البحث الثالث : عن الموضوع .
اعلم أنه لما كان الفرد الواحد من هذا النوع الإنساني لا يستقل وحده بإصلاح جميع ما يحتاج إليه لم يكن بد في ذلك من جمع ، ليعين بعضهم بعضا فيما يحتاج إليه ، وحينئذ يحتاج كل واحد منهم إلى تعريف صاحبه بما في نفسه من الحاجات ، وذلك التعريف لا يكون إلا بطريق من أصوات مقطعة أو حركات مخصوصة أو نحو ذلك ، فجعلوا الأصوات المقطعة هي الطريق إلى التعريف ; لأن الأصوات أسهل من غيرها وأقل مؤنة ، ولكون إخراج النفس أمرا ضروريا فصرفوا هذا الأمر الضروري إلى هذا التعريف ، ولم يتكلفوا له طريقا أخرى غير ضرورية مع كونها تحتاج إلى مزاولة .
وأيضا : فإن الحركات والإشارات قاصرة عن إفادة جميع ما يراد ، فإن ما يراد تعريفه قد لا تمكن الإشارة الحسية إليه كالمعدومات .
إذا عرفت هذا فاعلم أن هي كل لفظ وضع لمعنى ، فيخرج ما ليس بلفظ من الدلائل الموضوعة ، وما ليس بموضوع من المحرفات والمهملات ، ويدخل في اللفظ المفردات والمركبات الستة ، وهي الإسنادي ، والوصفي والإضافي ، والعددي ، والمزجي ، والصوتي . الموضوعات اللغوية
[ ص: 75 ] ومعنى الوضع يتناول أمرين : أعم وأخص ، فالأعم : تعيين اللفظ بإزاء معنى ، والأخص : تعيين اللفظ للدلالة على معنى .