المسألة العاشرة : في خذ من أموالهم صدقة ذهب الجمهور إلى أن قوله تعالى : عموم نحو قوله تعالى : خذ من أموالهم صدقة يقتضي أخذ الصدقة من كل نوع من أنواع المال إلا أن يخص بدليل .
قال : مخرج هذه الآية عام في الأموال ، وكان يحتمل أن يكون بعض [ ص: 369 ] الأموال دون بعض ، فدلت السنة على أن الزكاة في بعض المال دون بعض . الشافعي
وقال في موضع آخر : ولولا دلالة السنة لكان ظاهر القرآن أن الأموال كلها سواء ، وأن الزكاة في جميعها لا في بعضها دون بعض .
واستدل الجمهور على ما ذهبوا إليه بأن هذه الصيغة من صيغ العموم ; لأنها جمع مضاف ، وقد تقدم أن ذلك من صيغ العموم فيكون المعنى : خذ من كل واحد واحد من أموالهم صدقة ، إذ معنى العموم ذلك ، وهو المطلوب .
وأجيب عن هذا بمنع كون معنى العموم ذلك .
وذهب الكرخي من الحنفية ، وبعض أهل الأصول ، ورجحه إلى أنه لا يعم ، بل إذا أخذ من جميع أموالهم صدقة واحدة ، فقد أخذ من أموالهم صدقة ، وإلا لزم أخذ الصدقة من كل درهم ودينار ونحوهما ، واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله . ابن الحاجب
وأجيب : بأن الجمع لتضعيف المفرد ، والمفرد خصوصا مثل المال والعلم . والمال قد يراد به المفرد فيكون معنى الجمع المعرف باللام أو الإضافة جميع الأفراد ، وقد يراد به الجنس فيكون معناه جميع الأنواع بالأموال والعلوم ، والتعويل على القرائن ، وقد دل العرف وانعقد الإجماع على أن المراد في مثل خذ من أموالهم الأنواع لا الأفراد ، وأما ما يتوهم من أن معنى الجمع العام هو المجموع من حيث هو مجموع ، أو كل واحد من المجموع لا من الآحاد ، حتى بنوا عليه أن استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع - فمدفوع بأن اللام والإضافة يهدمان الجمع ، ويصيرانه للجنس .
وذهب إلى الوقف ، فقال : وبالجملة فالمسألة محتملة ، ومأخذ الآمدي الكرخي دقيق . انتهى .
وقد اختلف النقل عن الكرخي فنقل عنه ابن برهان ما تقدم ، ونقل عنه أبو بكر الرازي أنه ذهب إلى أنه يقتضي عموم وجوب الحق في سائر أصناف الأموال .
ومن جملة ما احتج به القائلون بعدم العموم : أن لفظ " من " الداخلة على الأموال تمنع من العموم .
وأجاب عن ذلك القرافي : بأن ( من ) لا بد من تعلقها بمحذوف ، وهو صفة للصدقة ، [ ص: 370 ] والتقدير : كائنة أو مأخوذة من أموالهم ، وهذا لا ينافي العموم ; لأن معنى كائنة أو مأخوذة من أموالهم أن لا يبقى نوع من المال إلا ويؤخذ منه الصدقة .
وقال بعضهم : الجار والمجرور الذي هو ( من أموالهم ) إن كان متعلقا بقوله " خذ " فالمتجه قول الكرخي ; لأن التعلق مطلق ، والصدقة نكرة في سياق الإثبات . فيحصل الامتثال بصدقة واحدة من نوع واحد ، وإن كان متعلقا بقوله " صدقة " فالقول قول الجمهور ; لأن الصدقة إنما تكون من أموالهم إذا كانت من كل نوع من أموالهم .
قال الزركشي : وفيه نظر ; لأنه إذا كان المعتبر دلالة العموم الكائنة في أموالهم ، فإنها كلية ، فالواجب حينئذ من كل نوع من أنواع الأموال عملا بمقتضى العموم ، ولا نظر إلى تنكير " صدقة " لأنها مضافة للأموال ، سواء قيل إنها متعلقة بـ " خذ " . وإن اعتبر لفظ " صدقة " وأنه نكرة في سياق الإثبات ، فلا عموم له على الوجهين أيضا . انتهى .
ولا يخفاك أن دخول " من " هاهنا على الأموال لا ينافي ما قاله الجمهور بل هو عين مرادهم ; لأنها لو حذفت لكانت الآية دالة على أخذ جميع أنواع الأموال ، فلما دخلت أفاد ذلك أنه يؤخذ من كل نوع بعضه ، وذلك البعض هو ما ورد تقديره في السنة المطهرة من العشر في بعض ، ونصف العشر في بعض آخر ، وربع العشر في بعض آخر ، ونحو هذه المقادير الثابتة بالشريعة ، كزكاة المواشي ، ثم هذا العموم المستفاد من هذه الآية قد جاءت السنة المطهرة بما يفيد تخصيصه ببعض الأنواع دون بعض ، فوجب بناء العام على الخاص .