الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يفرغ عليك صبرا ورضا، واعلم أن كل ما يصيب العبد، فإنما هو بتقدير الله جل وعلا وقضائه ، والله سبحانه أرحم بالعبد من نفسه، وكل ما يقضيه الله لعبده المؤمن فهو خير له. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له. أخرجه مسلم. والجزع لا يرفع المصاب عن العبد، بل سيحرمه أجر الصبر، وهذه المصيبة العظمى.
فنوصيك بالصبر والرضا بما قدر الله لك، وراجع فيما يعين العبد على تحقيق الصبر والرضا الفتوى رقم: 170073، 203794.
وأما دعاء الغير لك: فهل يتوهم عاقل -فضلا عن مسلم- أن دعاء غيره له بالخير سبب لوقوع ضد ذلك، وأنه يجلب الشر للمدعو له؟!
فإن الثابت في السنة أن دعاء المسلم لأخيه بالغيب حري بالإجابة، ففي صحيح مسلم: عن صفوان بن عبد الله بن صفوان، وكانت تحته الدرداء، قال: قدمت الشام، فأتيت أبا الدرداء في منزله، فلم أجده ووجدت أم الدرداء، فقالت: أتريد الحج العام، فقلت: نعم، قالت: فادع الله لنا بخير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل. قال: فخرجت إلى السوق فلقيت أبا الدرداء، فقال لي مثل ذلك يرويه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن الدعاء قد لا يجاب لغفلة القلب حال الدعاء، أو لمانع من الإجابة، قال ابن القيم: الدعاء، فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف أثره عنه، إما لضعفه في نفسه - بأن يكون دعاء لا يحبه الله، لما فيه من العدوان - وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرخو جدا، فإن السهم يخرج منه خروجا ضعيفا، وإما لحصول المانع من الإجابة: من أكل الحرام، والظلم، ورين الذنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة والشهوة واللهو، وغلبتها عليها. كما في مستدرك الحاكم من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه» فهذا دواء نافع مزيل للداء، ولكن غفلة القلب عن الله تبطل قوته، وكذلك أكل الحرام يبطل قوته ويضعفها. كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «يا أيها الناس، إن الله طيب، لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم} [المؤمنون: 51] وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: 172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟» .اهـ.
وقال أيضا: والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به، والساعد ساعد قوي، والمانع مفقود؛ حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير، فإن كان الدعاء في نفسه غير صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثم مانع من الإجابة، لم يحصل الأثر. اهـ. من الداء والدواء.
ثم إن استجابة الدعاء لا تقتضي إعطاء الداعي عين ما سأل، أو أن يجاب في الوقت الذي عينه في دعائه، بل استجابة الدعاء تكون بإحدى ثلاث وردت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذاً نكثر، قال: الله أكثر. رواه أحمد وصححه الحاكم.
فدعوة أولئك الداعين لك قد تجاب بسوء يُصرَف عنك لا تعلمه، أو بثواب يدخر لك في الآخرة.
والله أعلم.