الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعافيك، وأن يلهمك رشدك، وأن يقيك شر نفسك.
فما ذكرته لا يعدو أعراض مرض الوسوسة، فإن مسائل الدين والالتزام الصحيح بأحكامه، لا تصل بصاحبها لهذه الحال، ولا تتسبب في خسارة الدين والدنيا!
ولهذا فإنا ننصحك بالإعراض التام عن التفكير في أمر الاستهزاء، ومتى يكون كفرا، ومتى لا يكون كذلك؟ فإن استرسال الموسوس في أمر لا يحسنه، أو لا ينزله على موضعه الصحيح، لا يزيده إلا حيرة واضطرابا، كما هو حال الأخت السائلة!
فكل ما ذكرته من المسائل، لا يحكم عليه بكونه استهزاء بدين الله، أو بحكم من أحكام الله، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فليس بكفر، وإنما هو التعمق المذموم الذي يضر صاحبه. وغاية الأمر أن يحكم على هذه الأقوال بكونها صحيحة، أو خاطئة .. جائزة، أو غير جائزة .. ونحو ذلك، وأما ربطها بالاستهزاء الذي يخرج صاحبه من الملة، فأثر من آثار الوسوسة، يجب التوقف والإعراض عنه.
ونريد هنا فقط التركيز على مسألة مهمة في باب الاستهزاء ونحوه، وهو ضرورة مراعاة النيات والمقاصد، فقد يفعل أو يقول شخصان شيئا واحدا، ويختلف حكمهما بحسب اختلاف المقاصد والأفهام.
قال الشيخ صالح آل الشيخ في (التمهيد لشرح كتاب التوحيد): الهزل والاستهزاء بالله، أو بالرسول، أو بالقرآن مناف لأصل التوحيد، وكفر مخرج من الملة، لكن بضابطه الذي ذكرناه، وهو: أن الاستهزاء- وهو الاستنقاص واللعب والسخرية- يكون بالله - جل جلاله - أو يكون بالرسول صلى الله عليه وسلم، أو يكون بالقرآن، وهذا هو الذي جاء فيه النص قال- جل وعلا-: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66] ... ويخرج عن ذلك ما لو استهزأ بالدين، فإن الاستهزاء بالدين فيه تفصيل، فإن المستهزئ بالدين، أو الساب له، أو اللاعن له، قد يريد دين المستَهْزَأَ به، ولا يريد دين الإسلام أصلا، فلا يرجع استهزاؤه إلى واحد من الثلاثة؛ فلهذا نقول: الكفر يكون أكبر إذا كان الاستهزاء بأحد الثلاثة التي ذكرنا ونصت عليها الآية، أو كان راجعا إلى أحد الثلاثة.
أما إذا كان الاستهزاء بشيء خارج عن ذلك، فإنه يكون فيه تفصيل: فإن هزل بالدين، فينظر هل يريد دين الإسلام، أو يريد تدين فلان؟ ومثال ذلك أن يأتي واحد من المسلمين ويستهزئ- مثلا- بهيئة أحد الناس، وهيئته يكون فيها التزام بالسنة، فهل يكون هذا مستهزئا الاستهزاء الذي يخرجه من الملة؟
الجواب: لا؛ لأن هذا الاستهزاء راجع إلى تدين هذا المرء، وليس راجعا إلى الدين أصلا ... وكذلك الاستهزاء بكلمات قد يكون مرجعها إلى القرآن، وقد لا يكون مرجعها إلى القرآن فيكون فيه تفصيل. اهـ.
وراجعي للفائدة، الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 137826، 131591، 137818، 137096.
والله أعلم.