السؤال
في أحد الأيام قتلت إحدى صديقاتي نملة فأخبرناها ـ أنا وصديقاتي الأخريات ـ بأنه لا يجوز قتل النمل من غير أذية، فسألت كيف تكون الأذية؟ فقلنا لها كأن تدخل في المطبخ وتأتي على الطعام والسكر، فقالت: وتكسر الصحون فضحكت وضحكنا ـ أيضا ـ فهل هذا استهزاء؟ ثم قالت تخيلوا أنه يكسر الصحون ثم قالت إنه مرعب لو أنه يكسر الصحون، فهل يعتبر كلامها استهزاء؟ وإن كان استهزاء، فهل الاستهزاء ولو كان مزحاً يخرج من الملة؟ علما بأننا ضحكنا معها، وهل نكون في مثل حكم القائل؟ وقد حاولت أن أكتم ضحكتي خوفا من أن يكون استهزاء، لكنني لم أستطع وضحكت ثم تمنيت لو أنني لم أكن جالسةً معهن، لكي لا أسمع ما قالت، ولكي لا أضحك، فهل آثم على فعلتي؟ أم يكون حكمي مثل حكم القائل، لأنني لم أقل لها شيئاً؟ وذلك، لأنني لا أعلم الحكم وقد حصل لي مثل هذا الموقف أكثر من مرة، منها: أن واحدة من البنات كانت تتحدث عن فتاة أنها كانت ـ تحش ـ في فتاة، ثم بعد انتهائها قالت أكلت لحمها، إن لحمها قاس، وقد نقلت هذا عن فتاة تريد إضحاكنا وأردت أن أقول لها لا تقولي مثل هذا الكلام، لأنه ربما كان فيه استهزاء، ولكن عندما لم أر أحدا يضحك معها سكت لأنني لم تكن عندي الجرأة، لكنني أنكرته في نفسي، فماذا أفعل عندما يحدث لي مثل ذلك؟.
أرجو الرد للأهمية.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي يظهر لنا أن السائلة تعاني من الوسوسة في مسألة الاستهزاء، فإن كان كذلك، فعليها أن تطرح هذه الأفكار عن نفسها ولا تسترسل معها، ولا تجعل للشيطان عليها سبيلا، فإن الوسوسة مرض شديد وداء عضال والاسترسال معها يوقع المرء في الحيرة والشك المرضي والضيق والحرج الشرعي، فكما يجب على العبد أن يخاف من الوقوع في الكفر وأن يبتعد عنه أشد البعد، فكذلك ينبغي أن لا يكون موسوسا كلما حصل منه شيء اتهم نفسه أو غيره بالكفر، وراجعي في ذلك الفتويين رقم: 78602ورقم: 126529.
وحسب السائلة أن تنكر ما تعلم أنه منكر دون خوض في كونه استهزاءً مخرجا من الملة أو لا.
ثم إنه لا يظهر لنا في الحادثتين المذكورتين في السؤال استهزاء صريح بالدين وأحكامه، بل الظاهر في الحادثة الأولى أنها ممازحة متعلقة بتفسير أذية النمل وكيفية حصوله.
وكذلك الحادثة الثانية، فليس المتبادر منها أنها استهزاء بحكم الغيبة وتشبيهها بأكل لحم المغتاب ميتا، وإن كان الفعل نفسه ـ الذي هو الغيبة وما تلاه ـ مما يحرم، ولكنه لا يصل إلى حد الاستهزاء بالدين والذي ينقض الإيمان.
ثم اعلمي ـ يرحمك الله ـ أن الاستهزاء بالدين منبعه السخرية والاستخفاف، قال البيضاوي: الاستهزاء: السخرية والاستخفاف، يقال: هزئت واستهزأت بمعنى، كأجبت واستجبت، وأصله الخفة من الهزء وهو القتل السريع. هـ.
ولا يخفى أن خوف السائلة ـ الذي وصل إلى حد الوسوسة ـ قاطع بأنه ليس عندها أي استخفاف بالدين وأحكامه، فنعود ونذكرها بأن أفضل علاج لمثل حالها هو الإعراض التام عن الوسوسة، وراجعي تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 136381.
وأما ما يتعلق بقتل النمل: فراجعي فيه الفتوى رقم: 2568.
والله أعلم.