الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد سبق لنا أن بينا في عدة فتاوى ما على العامي فعله إذا اختلفت عليه فتاوى أهل العلم، كما في الفتاوى التالية أرقامها: 270799، 269515، 262867.
والذي يمكننا إضافته هنا بخصوص ما سألت عنه هل الأولى العمل بالفتاوى الصادرة من أهل الاختصاص في بلدك أم في بلد آخر؟ فاعلم أن الواقع الذي يعيشه السائل ومعرفته له أثر في الجواب في كثير من الحالات، وقد قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين: وَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُفْتِي وَلَا الْحَاكِمُ مِنْ الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ بِالْحَقِّ إلَّا بِنَوْعَيْنِ مِنْ الْفَهْمِ:
أَحَدُهُمَا: فَهْمُ الْوَاقِعِ وَالْفِقْهِ فِيهِ وَاسْتِنْبَاطُ عِلْمِ حَقِيقَةِ مَا وَقَعَ بِالْقَرَائِنِ وَالْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ حَتَّى يُحِيطَ بِهِ عِلْمًا.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: فَهْمُ الْوَاجِبِ فِي الْوَاقِعِ، وَهُوَ فَهْمُ حُكْمِ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ، ثُمَّ يُطَبِّقُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَمَنْ بَذَلَ جَهْدَهُ وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَعْدَمْ أَجْرَيْنِ أَوْ أَجْرًا، فَالْعَالِمُ مَنْ يَتَوَصَّلُ بِمَعْرِفَةِ الْوَاقِعِ وَالتَّفَقُّهِ فِيهِ إلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ... اهـ.
فإذا كانت المسألة التي تعرض لك مما يكون للواقع أثر في حكمه الشرعي، فلا شك أن الرجوع لعلماء البلد الذي أنت فيه واستفتاؤهم أولى، لكونهم أدرى بالواقع، وأما إذا كانت المسألة لا تعلق لحكمها بالواقع ككثير من مسائل الصلاة والصوم ونحوها، فلا ضير في استفتاء غيرهم من علماء البلاد الأخرى والعمل بفتاواهم.
والله أعلم.