الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصحيح أن الحيازة والتقادم ليس سببًا شرعيًا لانتقال ملكية الأرض، أو حصتها من مالكها الأصلي إلى واضع اليد عليها، ما لم تقترن بالتنازل اللفظي، أو الحكمي عنها، كما جاء في الموسوعة الفقهية: اتفق الفقهاء على أن الحق لا يسقط بالتقادم، ولم يفرق جمهور الفقهاء في سماع الدعوى بين ما تقادم منها، وما لم يتقادم. انتهى.
وهذا ما قررناه مفصلًا في فتاوى كثيرة سابقة من أهمها: 60874، 100885 ، 148777، 129103، 49395، 134846، 160509.
فإذا كان سكوت الأختين عن حصتيهما من الأرض طيلة عشرين عامًا بمحض اختيارهما؛ ولم يمنعهما من الاعتراض عليه مانع من إكراه، أو خوف من عرف جار، أو حياء، فهذا السكوت يعتبر تنازلًا حكمًا، وإمضاء ضمنًا لهبة أخيهما، وذلك ما دامتا بالغتين عاقلتين رشيدتين، وهو ما قررناه في الفتاوى:132690 ، 52598، 62734.
وإن كان دون الإقرار القولي في القوة، ولذلك لو أبدتا عذرًا معتبرًا منعهما من الاعتراض لكان مقبولًا، وكانت حصتهما مضمونتين عليه؛ لأن الحق لا يسقط بالتقادم.
ومثل ذلك يقال فيما حصل من موافقة الأختين على شهود كتابة العقد والتوقيع عليه، حال كونهما عالمتين بكونه عقدًا صوريًا يراد منه التوصل للتوثيق الرسمي لملكية الأرض الموهبة منهما له، إن كان ذلك بمحض اختيارهما، ورضاهما بالتفصيل المتقدم، فهو إقرار ضمني بالتنازل السابق، ولا يخلّ بسلامة هذا الإقرار أخذ جعالة عليه، ولا قلة معرفتهم بالعقود، ما دام أخوهما قد تكفل ببيان المقصود.
فبناء على ما سبق، نقول:
إذا ثبت الإقرار الضمني بالنحو السابق؛ إقرار الأختين لهبة حصتيهما من الأرض للموهوب: فلا نرى مانعًا شرعيًا من كتابة عقد البيع الصوري للأرض، إن تعين طريقًا للتوثيق الرسمي لملكية الموهوب على الأرض، حفظًا للحق الثابت له شرعًا؛ لأن العقد الصوري ليس توثقة لعقد بيع حقيقي مُنشأ، بل هو عقد صوري توصلي لغرض مشروع، ومكافأتهم بحصة من الأرض بعد ذلك من باب هبة الجزاء الحسن، وشكران المعروف مستحب.
أما إذا ثبت بطلان التنازل الحكمي لاختلال شيء من شروطه، كأن يثبت أن عدم منازعتهما كانت خوفًا من عرف ظالم، أو حياء من أخيهما، أو يثبت أنه لبّس عليهما في حقيقة الأمر، وصورت القضية على غير حقيقتها، فليس لأبيك عندئذ من الأرض إلا حصة الأخ دون حصة الأختين؛ لأن هبة الأخ للأرض دون توكيل من شريكتيه فيها باطل في غير حصته، ولا يشفع له عندئذ لا عقد صوري، ولا قانون رسمي، ولا قضاء مدني، فإما المصالحة، وإما رد الحقوق، وقد بينا أقوال أهل العلم في رد الأرض المغصوبة إذا عمّرت في الفتاوى: 71323 ، 28307، 100305 ، 28270.
والله أعلم.