الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الزرع هنا قد يبس إلا أنه صغير جدًّا ـ كما هو الظاهر من السؤال ـ، فيجوز بيعه؛ لأنه قد بدا صلاحه بيبسه، واستغنائه عن الماء، على الحالة التي هو بها، ويجوز بيعه في سنبله، عند أكثر العلماء، ففي الزرقاني على شرح الموطأ: قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ بَاعَ زَرْعَهُ وَقَدْ صَلَحَ، وَيَبِسَ فِي أَكْمَامِهِ، فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ، وَلَيْسَ عَلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ زَكَاةٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِطِيبِ الثَّمَرَةِ، فَإِذَا بَاعَهَا وَقَدْ وَجَبَتْ زَكَاتُهَا، فَقَدْ بَاعَ حِصَّتَهُ، وَحِصَّةَ الْمَسَاكِينِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ ضَمِنَ ذَلِكَ لَهُمْ، وَلَا يَصْلُحُ بَيْعُ الزَّرْعِ حَتَّى يَيْبَسَ فِي أَكْمَامِهِ، جَمْعُ كِمٍّ بِكَسْرِ الْكَافِ: وِعَاءُ الطَّلْعِ، وَغِطَاءُ النَّوْرِ، وَيَسْتَغْنِيَ عَنِ الْمَاءِ حَتَّى لَوْ سُقِيَ لَمْ يَنْفَعْهُ، فَيَجُوزُ بَيْعُهُ فِي سُنْبُلِهِ قَائِمًا، عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِحَدِيثِ: نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ، وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ ـ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حَتَّى يُدْرَسَ وَيُصَفَّى؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْغَرَرِ. انتهى.
وفي الحاوي الكبير في الفقه الشافعي: فَأَمَّا إِذَا اشْتَدَّ وَاسْتَحْصَدَ، فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ مِمَّا يُبْرِزُ الْحَبُّ مِنْهُ بِغَيْرِ كِمَامٍ يَسْتُرُهُ، كَالشَّعِيرِ، جَازَ بَيْعُهُ فِي سُنْبُلِهِ قَبْلَ دِيَاسَتِهِ وَتَصْفِيَتِهِ؛ لِظُهُورِهِ، وَمُشَاهَدَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَبُّ فِي كِمَامٍ يَسْتُرُهُ، كَالْحِنْطَةِ، فَقَدْ حُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ جَوَازُ بَيْعِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وأبي حنيفة، وَوَافَقَهُ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْمَبْسُوطِ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَنَصَّ فِي الْجَدِيدِ، وَسَائِرِ كُتُبِهِ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِهِ فِي سُنْبُلِهِ. انتهى.
وفي المغني لابن قدامة: وَيَجُوزُ بَيْعُ .. الْحَبِّ الْمُشْتَدِّ فِي سُنْبُلِهِ، وَبَيْعُ الطَّلْعِ قَبْلَ تَشَقُّقِهِ، مَقْطُوعًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَفِي شَجَرِهِ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ، حَتَّى يُنْزَعَ عَنْهُ قِشْرُهُ الْأَعْلَى، إلَّا فِي الطَّلْعِ، وَالسُّنْبُلِ، فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. انتهى.
وفي الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي: قال الحنفية: يجوز بيع الحنطة في سنبلها، والباقلّا في قشره، وكذا الأرز، والسمسم؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم: نهى عن بيع النخل حتى يزهو، وعن بيع السنبل حتى يبيض، ويأمن العاهة ـ نهى البائع والمشتري ـ، ولأنه حب منتفع به، فيجوز بيعه في سنبله، كالشعير، وكذلك قال المالكية، والحنابلة، والظاهرية: يجوز بيع الحب في سنبله، ولكن لا يجوز بالاتفاق بيع الحب من دون السنبل؛ لأنه بيع ما لم تعلم صفته، ولا كثرته. انتهى.
وانظر الفتوى: 147539.
كما تجب فيه الزكاة إن كان نصابًا، ولو كان رديئًا، ونصاب الزروع هو خمسة أوسق، وراجع في تحديده بالمقاييس الحديثة الفتويين: 115639، 28273.
والزكاة هنا واجبة في حب القمح، ولو كان رديئًا، لا في قشره.
والطريقة المثلى لتحديد النصاب هنا هي: أن يتم خرص ـ حدس ـ القمح، وهو لا يزال في سنبله، ما دام قد بدا صلاحه، ففي الفروع وتصحيح الفروع في الفقه الحنبلي: ويؤخذ الواجب من الزرع والثمرة بِحَسَبِهِ، جَيِّدًا أَوْ رَدِيئًا، مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، ـ و ـ وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الرَّدِيءِ عَنْ الْجَيِّدِ، ـ و ـ وَلَا إلْزَامُهُ بِإِخْرَاجِ الْجَيِّدِ عَنْ الرَّدِيءِ، ـ و ـ وَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ حِصَّتُهُ. انتهى.
فإن باعه قبل أن يخرج زكاته، استقر مبلغ الزكاة في ذمته، فيجب شراؤه، ودفعه إلى مستحقيه؛ لأن الأصل أن الزكاة تخرج من جنس المزكى.
ولا يجوز إخراج القيمة في الزكاة لدى الجمهور.
والقدر الواجب في زكاة الزروع هو العشر، أو نصفه، من القدر الذي دل عليه الخرص، وقد وضحنا ذلك بالتفصيل في الفتويين: 69455، 118135.
ومن أهل العلم من يرى جواز إخراج القيمة في الزكاة، وعليه؛ فلا مانع من دفع قيمة مبلغ الزكاة، وراجع الفتوى: 80337.
ولمزيد الفائدة فيما يتعلق بالموضوع، يرجى الاطلاع على الفتويين: 170391، 94881.
أما إذا لم يصل إلى درجة الصلاح، فيجوز بيعه؛ بشرط قطعه عند الجمهور، باعتباره قصيلًا، ولا داعي للخرص هنا؛ لعدم وجود الحب، ففي نيل الأوطار: وَأَمَّا بَيْعُ الزَّرْعِ أَخْضَرَ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الْقَصِيلُ، فَقَالَ ابْنُ رِسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ الْمَشْهُورُونَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْقَصِيلِ؛ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَخَالَفَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، فَقَالَا: لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ.
وَقَدْ اتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْقَصِيلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ، وَخَالَفَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ، فَأَجَازَ بَيْعَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ؛ تَمَسُّكًا بِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا وَرَدَ عَنْ السُّنْبُلِ، قَالَ: وَلَمْ يَأْتِ فِي مَنْعِ بَيْعِ الزَّرْعِ مُذْ نَبَتَ إلَى أَنْ يُسَنْبِلَ نَصٌّ أَصْلًا. انتهى.
والله أعلم.