الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمراعي التي ليست ملكاً لأحد مما يشترك الناس في منفعتها لا يجوز منع الرعي فيها، لما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث لا يمنعن الماء والكلأ والنار. وصححه ابن حجر في تلخيص الحبير.
قال المناوي: أي لا يجوز لأحد منعهن.. والكلأ بالهمز والقصر النبات أي المباح وهو النابت في موات فلا يحل منع أهل الماشية من رعيه لأنه مجرد ظلم، أما كلأ نبت بأرض ملكها بالإحياء فمذهب الشافعية حل بيعه. انتهى.
وقال الصنعاني: والكلأ النبات رطباً كان أو يابساً، .... والحديث دليل على عدم اختصاص أحد من الناس بأحد الثلاثة وهو إجماع في الكلأ في الأرض المباحة والجبال التي لم يحرزها أحد، فإنه لا يمنع من أخذ كلئها أحد إلا ما حماه الإمام... وأما النابت في الأرض المملوكة والمتحجرة ففيه خلاف بين العلماء. انتهى.
وأما اعتبار ذلك حمى فإن الحمى هو ما حماه النبي صلى الله عليه وسلم أو ما يحميه الإمام على خلاف بين أهل العلم.
وفي صحيح البخاري عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الصعب بن جثامة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا حمى إلا لله ولرسوله. وقال -يعني ابن شهاب الزهري: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع وأن عمر حمى الشرف والربذة.
قال ابن حجر في فتح الباري: قال الشافعي يحتمل معنى الحديث شيئين أحدهما ليس لأحد أن يحمي للمسلمين إلا ما حماه النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر معناه إلا على مثل ما حماه عليه النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الأول ليس لأحد من الولاة بعده أن يحمي، وعلى الثاني يختص الحمى بمن قام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الخليفة خاصة، وأخذ أصحاب الشافعي من هذا أن له في المسألتين قولين.. والراجح عندهم الثاني والأول أقرب إلى ظاهر اللفظ، لكن رجحوا الأول بما سيأتي أن عمر حمى بعد النبي صلى الله عليه وسلم والمراد بالحمى منع الرعي في أرض مخصوصة من المباحات فيجعلها الإمام مخصوصة برعي بهائم الصدقة مثلاً، والحمى هو المكان المحمي وهو خلاف المباح، ومعناه أن يمنع من الإحياء من ذلك الموات ليتوافر فيه الكلأ فترعاه مواش مخصوصة ويمنع غيرها، والأرجح عند الشافعية أن الحمى يختص بالخليفة ومنهم من ألحق به ولاة الأقاليم ومحل الجواز مطلقاً أن لا يضر بكافة المسلمين. انتهى.
إذا ثبت هذا فإن المراعي الواسعة لا يختص بها أحد، ومن سبق إلى شيء منها فهو أحق به، فمن أخذ شيئاً من كلئها وحازه جاز له بيعه، ولا يجوز لأحد أن يتملك كلأها ويمنعه من الناس لمجرد حفر بئر أو بناء فيها، أو لمحاذاتها لحرثه، ومن استولى على هذه الأراضي ومنع الناس من الكلأ إلا بثمن فقد منع ما ليس له منعه ويجوز لمن احتاج للكلأ شراؤه ويكون ثمنها حراماً على آخذه، علماً بأن الإجارة إنما تصح على المنافع لا على الأعيان المقصودة حيث إن الأعيان المقصودة لا تملك بعقد الإجارة، ومعلوم أن الإجارة في صورة السؤال عين مقصودة لا منفعة.
أما الشق الثاني من السؤال عن حكم تلقيح الشاة فلا حرج في ذلك إذا ثبت طبياً خلو هذه العملية من آثار ضارة على الغنم أو السلالة الناتجة، أو الإنسان الذي يأكل لحم هذه الأغنام أو يشرب ألبانها، ويمكنك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 50008، والفتوى رقم: 56111.
أما الشق الثالث من السؤال وهو عن حكم كراء القمح أو الشعير وهو عشب أخضر فهو غير جائز لأن الإجارة تكون على المنافع لا على الأعيان كما سبق، ونظير تلك المسألة في كلام الفقهاء استئجار الشجر لأخذ ثمرها أو الشاة لأخذ لبنها أو صوفها.
قال ابن قدامة في المغني: وما لا تجوز إجارته أقسام: أحدها ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، كالمطعوم والمشروب، والشمع ليشعله، لأن الإجارة عقد على المنافع، وهذه لا ينتفع بها إلا بإتلاف عينها،... ولا يجوز استئجار الغنم ولا الإبل والبقر ليأخذ لبنها ولا ليسترضعها لسخالة ونحوها، ولا استئجارها ليأخذ صوفها ولا شعرها ولا وبرها ولا استئجار شجرة ليأخذ ثمرتها أو شيئاً من عينها..
ويمكنك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 61061، والفتوى رقم: 72081.
ولكن يجوز شراء القمح وهو عشب أخضر لإطعامه للأغنام بشرط قطعه في الحال، قال ابن قدامة في المغني: لا يخلو بيع الثمرة قبل بدو صلاحها من ثلاثة أقسام، أحدها: أن يشتريها بشرط التبقية، فلا يصح البيع إجماعاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع. متفق عليه. النهي يقتضي فساد المنهي عنه، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على القول بجملة هذا الحديث. القسم الثاني، أن يبيعها بشرط القطع في الحال، فيصح بالإجماع، لأن المنع إنما كان خوفاً من تلف الثمرة، وحدوث العاهة عليها قبل أخذها، بدليل ما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهو، قال: أرأيت إذا منع الله الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟. رواه البخاري.
وهذا مأمون فيما يقطع، فصح بيعه كما لو بدا صلاحه، القسم الثالث: أن يبيعها مطلقاً ولم يشترط قطعاً ولا تبقية فالبيع باطل وبه قال مالك والشافعي وأجازه أبو حنيفة. انتهى.
وقال: ولا يجوز بيع الزرع الأخضر في الأرض إلا بشرط القطع في الحال، كما ذكرنا في الثمرة على الأصول، لما روى مسلم عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى يزهي، وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة. نهى البائع والمشتري، قال ابن المنذر: لا أعلم أحداً يعدل عن القول به. انتهى.
وإذا تم شراء القمح بشرط القطع فلا بد أن يتوفر فيه شروط البيع ومنها أن يكون المبيع معلوماً والثمن معلوماً، أما إن كان المشتري قد اشترى الزرع قبل بدو صلاحه دون أرضه ودون اشتراط القطع فهو باطل، ولا ينقل ملك الزرع إلى المشتري، وبالتالي فالزرع المذكور لا يزال على ملك بائعه وزكاته عليه، ولك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 95246، وعن حكم زكاة من باع زرعاً قبل حصاده في الفتوى رقم: 56409 عن القدر الواجب في زكاة الزروع، وإذا كان المقصود من السؤال الثالث الاستفسار عن حكم كراء الأرض لأجل زراعتها أو الرعي فيها فتراجع في ذلك الفتوى رقم: 107906.
والله أعلم.