الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الله تعالى يحب الإعذار، ولا أحد أحب إليه العذر منه، فهو يقيم على عباده الحجة ويقطع عنهم المحجة، ومن أجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا {الإسراء: 15} وقال سبحانه: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ {النساء:165} وثبت في الصحيحين واللفظ لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل.
ومن كان حاله كذلك فكيف يحاسب عباده بمجرد علمه بما كانوا سيعملون دون أن يخلقهم ويظهر عملهم في العيان، ومن هنا فسر من فسر من أهل العلم قول الله تعالى: لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ {المائدة: 94} بأن المراد علم الظهور لأنه يعلم ذلك مسبقا، قال البيضاوي في تفسير هذه الآية: فذكر العلم وأراد وقوع المعلوم وظهوره. اهـ ولله المثل الأعلى فلو أن حاكما من البشر قضى على شخص بالعقوبة بمجرد علمه أنه سوف يعملها لعد ظالما، ولكان لهذا الشخص الاعتراض على حكمه.
وأما علم الله السابق بكون العبد سيفعل كذا وكتابة ذلك في اللوح المحفوظ فلا ينافي أن له اختيارا على أساسه يحاسب على أعماله التي عملها، وقد بينا هذا في فتاوى سابقة نحيلك منها على الأرقام: 8653، 7460، 111439.
وأما تقديم المساعدة للإنسان لأجل الهداية فحاصل، ويتبين هذا مما ذكرنا سابقا من إرسال الرسل وإنزال الكتب، وقد أوجب الله تعالى على الأمة الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إضافة إلى أنه سبحانه ركب في الإنسان أدوات الفهم وامتن عليه بذلك فقال سبحانه: قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ {الملك:23}
وننبه في الختام إلى خطورة الخوض في القدر، وأنه مزلة أقدام ومضلة أفهام كما بينا بالفتوى رقم: 53111، فمن قنع بذلك وسلم الأمر لله تعالى ذاق حلاوة طعم الإيمان، ومن أرخى لفكره العنان واتبع خطوات الشيطان فمصيره الخذلان والخسران ولن يصل إلى نتيجة مقنعة.
والله أعلم.