السؤال
مشكلتي التي أطلب فيها فتواكم هي عن ممارسة العبادات والدعاء في نفس المكان الذي تمارس فيه المعاصي والرذائل، واسمحوا لي بإيجاز التفاصيل بسرعة؛ أقول لكم بصراحة إن المعصية التي لا أعلم إن كنت تائبا منها أم ما زلت غارقا فيها هي المواقع الإباحية على الإنترنت وممارسة العادة السرية، أتوب وأنقطع عنها لأسابيع ثم أعود، على كل حال أنا أتصفح هذه المواقع على مكتبي داخل غرفتي وأمارس العادة السرية في نفس المكان، ولكني في وقت آخر أصلي، وفي وقت آخر أدرس على نفس المكتب ونفس الكرسي الذي أمارس عليه الرذيلة، وأنا معتاد قبل البدء بالدراسة على قراءة الأذكار والأدعية، ولكني مرة سمعت من خطيب وإمام المسجد في خطبته أنه حتى يقبل الله الدعاء، فيجب أن يكون هذا في مكان لا تمارس فيه المعاصي والرذائل، فهل كلامه صحيح، الآن لا أعلم هل يستجيب الله دعائي ويشرح صدري للدراسة وأنا أدعوه على نفس الكرسي ونفس المكتب الذي أمارس عليه الرذيلة، وهل يجوز لي الصلاة في غرفتي أم لا، أرجوكم لكي أرتاح تماما أن تشيروا إلى آراء كل العلماء والمذاهب بخصوص هذا الأمر، وهل لكلام إمام مسجدنا أي اعتبار شرعي أو أي دليل كان صحيحا أو ضعيفا، ألم يأمر النبي عليه السلام بتجنب المناطق التي عذب الله فيها عصاة الأمم السابقة والمرور بها سريعا؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يشرح صدرك وينور قلبك ويطهر فرجك وعينك من المنكر الذي تمارسه، أخي الفاضل: إننا نتوجه إليك بطلب يملؤه الحب والشفقة في أن تعزم من حيث قراءة هذا الجواب عزيمة صادقة على البعد عن رؤية هذا الخنا الذي يبثه دعاة الرذيلة وقتلة الطهر والفضيلة، أخي الفاضل: منَّ الله عليك بالصلاة والذكر وقراءة القرآن فكيف تستجيب لمثل هذا المخازي والمهازل التي لا تليق بمسلم فضلاً عن أخ أحسسنا من كلامه بصلاح وهدى؟! أخ يبدأ درسه بالأذكار وتلاوة القرآن.
تأمل أخي في عواقب ما تصنع دينياً وصحياً، فإن النظر إلى الحرام يذهب حلاوة الإيمان ويطمس نور البصيرة ويشوش الفهم ويورث الهم والغم ويزهد في الحلال ويضعفك في المستقبل عن المعاشرة الحلال، فكم سمعنا عن أناس تعودوا على هذه المناظر القبيحة وتعودوا على ممارسة هذه العادة الرذيلة وتعج بهم المراكز الصحية لأخذ العلاج لقوة الباءة، فقد عجزوا عن معاشرة أزواجهم ولحقهم العار والفضيحة، فحري بك أن تكون قوي العزيمة وشهم الرجولة فتقطع وساوس الشيطان وألاعيب الهوى والنفس.
وأما بخصوص الصلاة فإنها تكره في الأماكن المعدة والمهيأة للمعاصي كشرب الخمر أو الزنا ونحو ذلك، فهي صحيحة مع الكراهة، وأما الأماكن غير المعدة لذلك فلا تكره ولو وقعت فيها المعصية أحياناً كما هو الحاصل بالنسبة لغرفتك التي أعددتها لغير المعصية، ولكنك تقع فيها أحياناً، أما لو أصررت على ممارسة الحرام فيها فنخشى أن تلحق بما سبق، قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: الصلاة في مأوى الشيطان مكروهة بالاتفاق، وذلك مثل مواضع الخمر والحانة ومواضع المكوس ونحوها من المعاصي الفاحشة، والكنائس والبيع والحشوش ونحو ذلك، فإن صلى في شيء من ذلك ولم يلمس نجاسة بيده ولا ثوبه صحت صلاته مع الكراهة. انتهى.
قال علي الشبراملسي رحمه الله تعالى: وإن لم تكن المعصية موجودة حين صلاته، لأن ما هو كذلك مأوى للشياطين. انتهى. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: عرسنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليأخذ كل رجل برأس راحلته فإنه منزل حضرنا فيه الشيطان، قال: ففعلنا. أي خرجوا من هذا الوادي ثم صلوا كما في بقية الحديث، قال الإمام النووي: فيه دليل على استحباب اجتناب مواضع الشيطان، وهو أظهر المعنيين في النهي عن الصلاة في الحمام. انتهى.
والحاصل أن الدعاء والصلاة في هذا المكان مقبولة، ولن يكون هذا المكان في المستقبل محلا لها إن شاء الله، وكلام الخطيب يُحمَل على الترهيب والحث على اختيار المكان المناسب للدعاء والصلاة.
والله أعلم.