السؤال
لماذا ينظر إلى الاحتفال بالمولد على أنه عباده وتكون الإجابة على أي سؤال في هذا الخصوص على أن المقصود هو هل نعبد الله بمدح نبيه ؟ لأننا إذا نظرنا إلى أي فعل محدث على أنه عبادة فسوف نخلص إلى أن كل ما يفعل هو بدعة سواء تعلق بالدين أم لا فمثلا الأسلوب المعتمد الآن في نشر الدعوة وهو التكنولوجيا المتطورة هل كانت موجودة في ذلك العصر أم أنها تساهم في نشر الإسلام وبالتالي فهي ليست من المحدثات التي اخترعها الكفار واستعملت ضدهم وبالتالي تجوزون استعمالها ، وفي أشياء غيرها لا يتسع المجال لذكرها لأن العالم يتجه نحو التطور وبالتالي يجب المواكبه بشرط ألا يتعارض مع الشريعة الإسلامية الحقيقة هو أنتم من قال إن الاحتفال بالمولد من أمور الدين لأننا لم ننظر إليه يوما من هذه الناحية لأن ذلك ينقص من قدر الرسول أو بالأصح نكون قد طعنا في أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قام بالتبليغ وكذلك نشك في كمال الدين فحاشى لله أن يكون هذا القصد من فعل الاحتفال بالمولد ونستغفر الله ونستعيذه من كل فعل منكر والمهم هنا هو أن تكون الإجابه على كل سؤال يقدم من الناحية الدينية والدنيوية ومن الناحية الفكرية والعقلية ومن ناحية فعل الشيء أو تركه وليس من الناحية الدينية المتشددة التي تكاد باستعمالكم لجانب واحد منها فقط أن تقولوا بأن من يتبع قولنا مؤمن والباقي الله يعلم بحاله في حين أنه كلنا الله يعلم بحالنا ولا أريد أن أدخل في تفاصيل هذا الشيء حقيقة الكل يتفق في أن الاحتفال بالمولد من المحدثات سواء كان أمرا دينيا أو دنيويا ولكن هل علينا أن نترك كل المحدثات؟ يجب التفكير في هذا السؤال جيدا قبل الحكم لأنه سوف يترتب عليه أمور أخرى يجب إعادة النظر فيها ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمحدثات في الدين تذم لأنها في الدين تخترع وإليه يضيفها صاحبها ، وعلى العكس من ذلك المحدثات في الدنيا فإنها لا تخترع في الدين ولا تضاف إليه ، ولذا لم تكن مذمومة بل مشروعة مباحة، وهذا مثل اختراع الساعة ، والسيارة ، ومكبر الصوت ، والكومبيوتر ، وما شابه ذلك .
والاحتفال بالمولد مخترع في الدين مضاف إليه لأن الفاعلين له -كما هو معلوم- يتقربون به إلى الله, والله لا يتقرب إليه إلا بما شرع ، فإن العبادات مبناها على الشرع والاتباع لا على الهوى والابتداع ، قال الله تعالى : ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا { الجاثية: 18 ـ 19 } وقال تعالى : أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ {الشورى: 21 } وثبت في سنن الترمذي وقال عنه الترمذي حديث حسن صحيح من حديث العرباض بن سارية أنه صلى الله عليه وسلم قال : .... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة ضلالة . وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته : أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة . وليس في هذا أي تشدد بل هو مقتضى الأدلة الصحيحة وقول الأئمة الأعلام ، فممن أنكر الاحتفال بالمولد : شيخ الاسلام ابن تيمية في ( فتاويه ) و ( اقتضاء الصراط المستقيم ) ، والإمام الشاطبي في ( الاعتصام ) ، وابن الحاج في ( المدخل ) ، والشيخ تاج الدين علي بن عمر اللخمي ألف في إنكاره كتابا مستقلا ، والشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في كتابه ( صيانة الإنسان ) ، والسيد محمد رشيد رضا ألف فيه رسالة مستقلة ، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ألف فيه رسالة مستقلة ، والشيخ عبد العزيز بن باز ، وغير هؤلاء كثير .
وإننا لنأسف أن تفهم من هذا أننا نقول : من يتبع قولنا مؤمن والباقي الله يعلم بحاله ، فإن هذا الفهم من أبعد ما يكون ، لأننا لم نقل أبدا ـ وكل من تتبع فتاوانا يعلم هذاـ أن من احتفل بالمولد خارج عن الإيمان، فإننا نعتقد اعتقادا جازما أن المؤمن غير معصوم فقد تصدر منه المخالفات والبدع عن جهل وحسن نية وقصد ، ولا يحول ذلك دون إنكارها عليه وتنبيهه عليها ، فإن هذا من حقه على إخوانه ، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا لغيرهم من الفرق الضالة .
وإننا لنحسب أن الذين يحتفلون بمولده الشريف صلى الله عليه وسلم دافعهم إلى ذلك حبه ، ولكن الحب لا بد من لازمه من متابعة السنة وموافقة الشرع ، قال تعالى : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {آل عمران: 31 } ولذا قال بعض الحكماء : ليس الشأن أن تُحِب إنما الشأن أن تُحَب ، وفي هذا يقول الشاعر :
تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
وراجع لزاما الفتوى رقم : 62785 .
والله نسأل أن يهدينا وإياك سبل الرشاد ، ويجنبنا البدع وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم وبارك على نبي الهدى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
والله أعلم .